إلى التقدير الذي سماه تقديراً صناعياً، ولم يبين لنا كيف نحلل هذه الجمل التي أضطر النحاة فيها إلى التقدير. وهل نكتفي حين نبين مكان كلمة الضيف في قولنا: الضيفَ أكرمته، بأن نقول إن الضيف لم يرد به أن يكون مسنداً إليه، ولا مضافاً إليه، ولذلك كان منصوباً، أم ماذا؟
أما أن النحاة بالتزامهم أصول فلسفة العامل قد أضاعوا معاني الكلام في باب المفعول معه، فلا إخالني في حاجة إلى بيان تحامل المؤلف مما نقله هو حين تحدث عن المفعول معه من أن النحاة قد تنبهوا للمعنى، وأوجبوا أن يتبعه اللفظ؛ فقد قال الرضي في شرح الكافية ما نصه: الأولى أن يقال: إن قصد النصّ على المصاحبة وجب النصب وإلا فلا. ففكرة النظر إلى المعنى في المفعول معه قديمة معروفة، وهي التي يقتلها العقل ويستريح إليها.
وأما ما أنتقده المؤلف من كثرة خلاف النحاة في كل عامل يتصدون لبيانه، فالمغالاة فيه ظاهرة، فهذه الخلافات لا تجدها في لباب كتب النحو، ولكنك تجدها في الحواشي والتقارير، ولا يعطى لها من العناية إلا مقدار ضئيل لا يخشى منه على دراسة لباب النحو وأصوله؛ على أن الأستاذ المؤلف قد زاد رأياً جديداً في عامل النصب وأنه وجود الكلمة في حالة لا يراد بها أن تكون مسنداً إليها ولا مضافة وسوف نناقشه في ذلك.
معاني الأعراب
جعل المؤلف الضمة والكسرة علامتي إعراب فحسب، أما الفتحة فليست علامة إعراب ولا دالة على شيء، بل هي الحركة الخفيفة المستحبة عند العرب التي يراد بها أن تنتهي بها الكلمة كلما أمكن ذلك، فهي بمثابة السكون في لغة العامة.
ذلك قول يتهدم أمام النقد:
أولاً: لأنه ليس من المعقول ولا من الواقع في شيء أن تكون المعاني التي قصد إليها العربي تدور حول اثنين: هما الإسناد والاضافة، حتى يهتم بهما العربي حدهما ولا يعنى بغيرهما فلا يضع له علامة تدل عليه، فعندنا الحال والتمييز وعندنا أنواع المفعول والاستثناء، ولا أخال واحداً مما ذكرت أقل من معنى الإضافة حظاً لدى اهتمام العربي بل إن بعض هذه الأنواع لا يتم الكلام إلا به، ولا يفهم المعنى إلا بذكره، فالكلام يكون أبتر ناقصاً إذا حذفت الحال أو المستثنى أو نوعاً من أنواع المفعول أو التمييز؛ وإذا شئت أن