وانظر كيف تقسم البلاد بين العرب واليهود!. . تأخذ الساحل كله - ما خلا يافا فقد أنقذتها جارتها تل أبيب وأن ميناءها شر ميناء في البحر الأبيض - تقول تأخذ الساحل والأرض الخصبة وتهديها إلى اليهود، وتعمد إلى الجبال الجرداء، والفيافي التي لا شجر فيها ولا ماء، وتقول للعرب هذا نصيبكم ولن يضيركم محلها وخرابها فان لكم الجنة في الآخرة فطيبوا نفساً وقروا عيناً واحمدوا الله واشكروني. ولا تنسى بريطانيا نفسها فإن لها حظاً من الغنيمة. . .
وفي الرقعة التي جعلتها من نصيب اليهود كثرة عربية فهؤلاء سيجلون عنها ويخرجون من ديارهم لأن بريطانيا شاءت هذا. وفيها ثروة العرب جلها إن لم تكن كلها وليس لليهود من المزارع إلا حوالي العشر، فهذه الثروة أيضاً تنتقل إلى اليهود ويفقدها العرب ويرحلون إلى الصحراوات والجبال العارية. ولا منفذ للعرب إلى البحر إلا من يافا، والطريق إلى يافا مما تحتفظ به بريطانيا لنفسها؛ ومؤدى هذا أن تخرب تجارة العرب بعد أن تخرب زراعتهم ويضيع مالهم كما ضاع وطنهم.
وتقول بريطانيا إن هذه هي الوسيلة الوحيدة للسلام والوئام بين العرب واليهود في فلسطين، فلو أنها تعمدت أن تثير بين الشعبين العداوة والبغضاء وأن تبذر بذور الحرب في فلسطين لما فعلت غير ذلك. فلن يكف اليهود عن التطلع إلى ما بقي في أيدي العرب من البلاد، لأن دولتهم ستضيق بهم لا محالة، ولأن مالهم وعلمهم وما يحسون من العطف البريطاني عليهم - كل ذلك خليق أن يغريهم بالطمع في بقية فلسطين. وأما العرب فغير معقول أن يصبروا على هذا الظلم، أو أن يكفوا عن الحنين الطبيعي إلى ما فقدوا، أو أن يرغبوا في استرداده، فهي الحرب بين الأمتين لا مفر منها ولا هوادة فيها ولا حيلة لأحد في اجتنابها. فإذا كانت الحرب ما تبغي بريطانيا فالمشروع يبلغها مأربها على التحقيق.
ووراء فلسطين - أو ما يبقى منها في أيدي العرب - شرق الأردن يغرون أميره بالإمارة على البلاد كلها؛ ومن وراء شرقي الأردن العراق وفلسطين طريقها إلى البحر الأبيض، وبين العراق وفلسطين أواصر عروبة لا انفصام لها، وبعيد أن تنام العراق على هذا؛ ومصر جارة فلسطين وشقيقتها، وقد تكون اليوم ذاهلة عما يجره عليها هذا التقسيم العجيب من المتاعب وما يهددها به من الأخطار، ولكن الغفلة تزول وسيجيء يوم قريب تدرك فيه