الشام وسواحل مصر حتى برقة تقع تحت السيادة المصرية؛ كذلك كانت مياه البحر الأحمر حتى ثغور الحجاز. وكان للهند والشرق الأقصى في تلك العصور طريقان رئيسان: الأول طريق قسطنطينية، والثاني طريق المياه والأراضي المصرية؛ ولكن الطريق الأول لم يكن دائماً خير الطريقين، لأنه بعد اجتياز أراضي الدولة البيزنطية، ينحدر إلى مسالك وعرة في أرمينية وفارس وما وراء النهرين، وكان أيضاً أطول الفريقين شقة؛ ولهذا كان طريق الثغور المصرية هو طريق الهند والصين المختار؛ وكانت جمهورية البندقية لتفوقها البحري في البحر الأبيض المتوسط تستأثر في تلك العصور بأعظم قسط من تجارة الشرق الأقصى؛ وكانت مصر، سيدة الطريق إلى الهند، تستأثر بأعظم قسط من أرباح هذه التجارة ومكوسها، وكانت المكوس التي تفرض في ثغور مصر والشام على التجارة الصادرة إلى الشرق الأقصى من أعظم موارد الخزينة، هذا إلى ما تجنيه التجارة المصرية من أرباح الوساطة وأعمال النقل وغيرها.
كانت مصر إذاً في تلك العصور كما هي اليوم طريق الهند والشرق الأقصى؛ بيد أنها كانت عندئذ سيدة هذا الدرب والمتحكمة في مصايره، تدعم إرادتها وصولتها بقوات برية وبحرية يخشى بأسها. ولما غزى الصليبيون سواحل الشام في نهاية القرن الحادي عشر واستقروا حيناً في فلسطين وبعض ثغور الشام اضطربت مواصلات الهند من هذه الناحية حيناً، ولكنها تحولت إلى الإسكندرية ودمياط وإلى القلزم وعيذاب ثغري البحر الأحمر؛ وكانت القوافل التجارية تخترق مصر من الإسكندرية ودمياط براً إلى ثغر القلزم (وموقعه القديم مكان ثغر السويس)، أو في النيل حتى قوص، ثم إلى عيذاب؛ وتسير بعد ذلك بحراً إلى الهند والصين؛ وكانت ثمة طريق برية أخرى تخترق الشام والجزيرة ثم فارس وخراسان والسند، أو تنحرف شمالا إلى بخارى ثم الصين؛ وهذه الطريق الأخيرة هي التي سلكها ماركو بولو الرحالة البندقي الشهير في القرن الثالث عشر والتي وصفها لنا في رحلته أبدع وصف؛ ثم سلكها من بعده في أوائل القرن الرابع عشر إلى الهند الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة الطنجي. والواقع أن فكرة قطع طريق الهند وحرمان مصر من مغانمها لم تكن بعيدة عن أفكار الصليبيين؛ فلما انهارت حملاتهم ومشاريعهم واستطاعت مصر أن تردهم نهائياً عن الشام وثغوره، استردت مصر كل سيادتها