وسيطرتها على طريق الهند؛ ومن جهة أخرى فإن جمهورية البندقية لم تكن كباقي الدولة النصرانية متحدة الرأي مع الصليبيين دائماً، وكانت في معظم الأحيان تؤثر مصالحها التجارية وتؤثر البقاء على صداقة مصر.
ولبثت مصر تسيطر على طريق الهند والبندقية تستأثر بمعظم مغانم التجارة الهندية حتى أواخر القرن الخامس عشر؛ وكانت علائق مصر والبندقية دائمة التوثق تنظمها دائماً معاهدات متوالية تسعى جمهورية البندقية دائماً إلى عقدها مع حكومة السلاطين. ولكن حدث في أواخر القرن الخامس عشر أن حاول البحارة البرتغاليون اكتشاف طريق جديد للهند؛ واستطاع فاسكودي جاما في سنة ١٤٩٧ أن يكتشف طريق رأس الرجاء الصالح، وأن يصل عن هذا الطريق إلى ثغر قاليقوط في غرب الهند؛ ولم تمض أعوام قلائل حتى أنشأ البرتغاليون في هذا الثغر مستعمرة برتغالية، وأخذت بعوثهم البحرية تتردد إلى الهند عن هذا الطريق الجديد. وفي الحال شعرت مصر بالخطر الذي يهدد طريقها الهندية ومواردها التجارية، وشعرت البندقية حليفتها وشريكتها بما يهدد تجارتها مع الشرق الأقصى من الخراب والإمحال؛ وظهر هذا الخطر بصورة واضحة حينما أخذت التجارة الهندية التي كانت تسير إلى مصر عن طريق عدن وجدة وسواكن تتحول إلى الطريق البحرية الجديدة، وأخذت السفن البرتغالية تطارد السفن المصرية التي تشق هذه المياه؛ عندئذ هبت مصر تدافع عن مواصلاتها الهندية وامتيازاتها التجارية التي استأثرت بها مدى القرون؛ وكان ذلك في عهد السلطان الغوري الذي شاء القدر أن يكون آخر ملوك مصر المستقلة؛ فبادر السلطان بإنشاء أسطول مصري جديد في مياه البحر الأحمر ليقاتل أولئك الخصوم الجدد. وفي بعض الروايات أن البنادقة أمدوا السلطان بالأخشاب والذخائر لتجهيز هذا الأسطول؛ وعلى أي حال فقد التقى الأسطول المصري بسفن البرتغاليين في البحر الأحمر أكثر من مرة وأحرز قائده أمير البحر حسين على الأسطول البرتغالي بقيادة الأميرال لورنزوالميدا في سنة ١٥٠٨ انتصاراً حاسماً؛ ولكن البرتغاليين عادوا فهاجموا الأسطول المصري وهزموه في العام التالي؛ ولم يك ثمة شك في مصير هذا النضال، فإن البرتغال كانت يومئذ في مقدمة الدول البحرية التي يخشى بأسها، وكانت مصر من جهة أخرى ترقب خطراً آخر أعظم وأجل، هو خطر الترك العثمانيين. أما البندقية فقد حاولت