من جانبها أن تتأهب للنضال محافظة على تجارتها، ولكن الدول الأوربية الكبرى، فرنسا وأسبانيا والبابوية، اتحدت في مجمع كامبري لمقاومة البندقية والقضاء على محاولاتها.
وهكذا فقدت مصر طريق الهند في نفس الوقت الذي فقدت فيه استقلالها، وفقدت كل ما كانت تجنيه من وراء هذا الامتياز القديم من المغانم الطائلة. ومنذ أوائل القرن الخامس عشر يغدو طريق رأس الرجاء الصالح، هو الطريق المختار للهند والشرق الأقصى؛ ومن ذلك الطريق سارت البعوث البحرية المتوالية لاكتشاف مجاهل المحيط الهندي والمحيط الهادئ.
على أن القدر شاء القدر أن تسترد مصر طريق الهند في ظروف لم تكن تحلم بها، وكانت بالنسبة إليها مفتتح عصر من الكوارث والمحن؛ أجل كان افتتاح قناة السويس في سنة ١٨٦٩ نذيراً بفاتحة الدور الخطير المحزن الذي قضى على مصر أن تؤديه في ربط الشرق بالغرب وتوثيق المواصلات بين بريطانيا العظمى والهند وأستراليا؛ بل لقد ظهر هذا النذير واضحاً منذ أيام الحملة الفرنسية حيث شعرت إنكلترا بالخطر الذي يهدد مواصلاتها المستقبلة من استقرار الفرنسيين في مصر، فبذلت كل ما في وسعها لتحطيم الحملة الفرنسية وإجلاء الفرنسيين عن مصر؛ وكأنما استطاعت إنكلترا يومئذ أن تنفذ إلى حجب الغيب، وأن تتصور قيام هذه القناة تشق الصحراء بين البحرين الأبيض والأحمر؛ وكانت القناة منذ افتتاحها شراً مستطيراً على مصر، لأنها لفتت أنظار الدول الأوربية إلى هذا الشريان الحيوي الجديد في طريق الشرق الأقصى، وأذكت أطماع السياسة الاستعمارية. ولم تلبث مصر أن سقطت فريسة هذه السياسة المتجنية؛ وكانت محنة فقدت مصر فيها استقلالها؛ ومهما كانت البواعث التي تذرعت بها السياسة البريطانية لاحتلال مصر في سنة ١٨٨٢ فإن حراسة القناة، وهي شريان حيوي لطريق الهند، كانت بلا ريب أهمها وأخطرها؛ وقد غدت هذه الحقيقة فيما بعد شعار السياسة البريطانية ومحورها الأساسي في التمسك باحتلال مصر.
ولما وقعت الحرب الكبرى ظهرت أهمية القناة كطريق حيوي للمواصلات الإمبراطورية البريطانية، ولعبت دوراً خطيراً في حمل القوات والمؤن من أنحاء الأملاك والمستعمرات إلى ميادين القتال الأوربية؛ وازدادت السياسة البريطانية اقتناعاً بأهمية هذا الشريان