الحيوي في مواصلاتها الإمبراطورية، وازدادت تمسكاً بحراسته والسيطرة عليه، حتى إنها رأت يومئذٍ أن تعلن حمايتها على مصر تمهيداً إلى ضمها إلى أملاك التاج. فلما لم تقبل مصر هذا المصير، واضطرت أن تشهر النضال في سبيل حريتها واستقلالها، وأعلنت إنكلترا في سنة ١٩٢٢ إلغاء الحماية والاعتراف باستقلال مصر، كانت مسألة المواصلات الإمبراطورية أو بعبارة أخرى مسألة قناة السويس من المسائل المحتفظ بها؛ ولما آن للمسألة المصرية أن تحل أخيراً بعقد معاهدة الصداقة المصرية الإنكليزية في أغسطس الماضي، كانت مسألة المواصلات الإمبراطورية وحماية قناة السويس عقدة العقد، وكانت بالنسبة للسياسة البريطانية غاية الغايات؛ وقد جاءت نصوص المعاهدة منوهة بأهميتها وخطورتها بالنسبة لمصاير العلاقات بين مصر وإنكلترا.
على أن المستقبل فياض بالاحتمالات؛ وقد حمل تطور فنون الحرب الحديثة وتقدم التسليحات الجوية بعض الخبراء على الشك في مستقبل قناة السويس كشريان للمواصلات الإمبراطورية؛ وقد أيدت ظروف الحرب الحبشية وتطوراتها هذه النظرية؛ ومع أن السياسة البريطانية مازالت على تمسكها بأهمية القناة وخطورتها بالنسبة للدفاع الإمبراطوري، فإنها تتوجّس اليوم من حركات إيطاليا الفاشستية ومطامعها الاستعمارية، وتتوجس بالأخص من تفوق تسليحاتها الجوية، وتنظر دائماً إلى احتمال العود إلى طريق رأس الرجاء الصالح، إذا وقع ما يهدد سلامة القناة؛ وهكذا نرى أن التاريخ قد يعيد نفسه، وأن أحداث الحرب والسياسة قد تؤثر في أهمية القناة كطريق للهند والمواصلات الإمبراطورية؛ على أنّه إذا شاء القدر أن تفقد مصر طريق الهند مرة أخرى، وأن تغدو القناة في عرف السياسة والحرب بل وفي عرف التجارة كما مهملا، فإن مصر تكون آخر من يأسف لضياع هذا الامتياز المحزن، وإنها لترى فيه يومئذ بشير الخلاص والرضى.