فالنظام الشيوعي يزعم أنه يريد تحقيق العدالة ومعنى المساواة في كل ناحية من نواحي الحياة وبالأخص في الناحية الاقتصادية التي لم يمسها بالتعديل نظام حكم قبله. وحينما كان نظرياً لقي أتباعاً كثيرين ولاسيما بين الطبقات الفقيرة والعاملة. فلما نزل به زعماؤه في الحياة العملية وحاولوا تطبيقه أثبت أنه خيال مفروض ووهم لا يمكن أن يساير الحقيقة. ولم ينل الشعب الذي رغب في الأخذ به من ورائه إلا الفوضى والشقاء. ومع ذلك لم يحكم الشعب نفسه، وإنما تحكمت فيه فئة قليلة منه ضمنت لها السيطرة بالقوة والعنف، فهو حكم استبدادي لا شعبي.
والنظام الديمقراطي (الهادئ الرزين)، الذي لا يتشدد في معنى الوطنية - أو على الأصح الذي لا يعرف وطناً -، والذي هو مفعم بحب (الإنسانية)، يبغي أيضاً الوصول إلى العدل، يبغي إعطاء الشعب حقه بتسليمه مقاليد أمره. ولخلابته - لأنه يحض على محبة الإنسانية والعمل على (السلام)، وفي الوقت نفسه يتملق الشعب ويدعي أنه في خدمته، مع المحافظة على نشاط الفرد المالي - لقي أنصاراً عديدين وأضحى أمنية لكثير من الأمم الضعيفة التي لم تزل في سن الطفولة بعد خلقها ونشأتها، لأنها تحب العمل للإنسانية المزعومة وتميل للسلام العالمي - بمقتضى ضعفها - وتود أن تخرج عن حكم الفرد أو الهيئة الأرستقراطية.
والحياة العملية لمثل هذه الشعوب أصح مقياس للوقوف على حقيقة هذا النظام وعلى مبلغ حصته في رقيها، لأنها تفهم (الديمقراطية) فهماً ساذجاً فطرياً، فهماً لغوياً لا سياسياً، فالمعنى السياسي وملكة التلاعب بالسياسة لم تتكون عندها بعد، ولأنه ليس من إنتاجها العقلي بل اقتبسته وآمنت به، فأثره حينئذ، إيجابا أو سلباً، أظهر، والحكم له أو عليه أصح وأقرب للواقع.
ومصر دولة من الدول العربية التي تغرم بالديمقراطية، ونظام حكمها ينص على أنها (دولة ذات سيادة، وهي حرة مستقلة وحكومتها ملكية وراثية، وشكلها نيابي - المادة الأولى من دستور سنة ١٩٢٣)، وهو مظهر لا اعتراض عليه من ناحيته الشكلية والقانونية، ولا من ناحية ما إذا كانت هناك رقابة أجنبية فعلية، أو سياسة مجاملة، تقيد في الواقع بعض الشيء من هذه السيادة، فالدول الصغيرة تتمتع دائماً من الوجهة الدولية باسم السيادة التامة وإن