كانت تسير في سياستها العملية طبقاً لخطة دولة أخرى ذات نفوذ أكبر تحت ستار (الصداقة) أو (المحالفة) لغرض مزدوج: لوقاية الدولة الصغيرة من اعتداء أجنبي - وما هو في الواقع إلا اعتداء على نفوذ الدولة الكبرى في سياسة الدولة الصغرى - ولمنفعة الدولة الحليفة الكبرى اقتصادياً وأدبياً في السياسة العالمية. ولكن الشيء الذي يرغب الآن في بحثه هو: هل من الممكن بواسطة هذا النظام نقل مصر من حالتها الراهنة إلى حالة أرقى، وما مبلغ أثره في تطور الشعب؟
وبحث هذا يتطلب الوقوف على السلوك العملي للشعب إزاء هذا النظام، ثم على مقدار استفادته منه. ولبيان السلوك العملي له وموقفه تجاه هذا النوع من الحكم أود أن أقتبس من دستوره بعض المواد التي لها صور عكسية بارزة في حياة الأمة العملية والتي يقابلها بعض الظواهر النفسية التي لها صفة الأغلبية في الشعب، وبعبارة أخرى المواد التي لها مساس كبير بهذا السلوك النفسي.
(١) في الفصل الثالث من الدستور يقضي أسلوب الحكم بتأليف هيئة شعبية نيابية، لها صفة الرقابة على القوة التنفيذية بطريق الاقتراع العام. وصاحب الأغلبية في هذه الهيئة يتولى رياسة تلك القوة.
ومن خصائص الشعب المصري وألزم صفاته للآن السير وراء العاطفة والرغبة في التصديق، والتمسك بالعقيدة، فهو سريع التأثر بالوعود الخلابة، وخصوصاً بالتي على وفق رغباته المتخيلة، لا يضعف تأثره بذلك إرهاب أو اصطدام بالواقع، وهكذا شأن العاطفة إذا هي احتلت من النفس مكاناً واسعاً، يكاد يكون لها كل سلطان على السلوك النفسي.
لهذا لم تتحلل نتيجة الانتخاب بعد من أثر الدعاية المنظمة - التي تسير طبق رغبات الشعب - ومن قوة العاطفة الحساسة الخارجة عن الاعتدال التي هي أميل بكثير إما إلى الانفعال والقابلية (في حالة التصديق) وإما إلى الرفض والمعارضة (في حالة الجحد والإنكار).
وزيادة على ما للشعب من هذه العاطفة فهو لم تتكون عنده بعد الملكة السياسية، أو بعبارة أخرى لم تتميز عنده قوة الحكم المبنية على الروية والتفكير من قوة العاطفة الثائرة التي لم تهذب بعد. ولعل ذلك يرجع إلى جهلة وتركه مدة طويلة إلى الطبيعة التي كانت تكتنفها