(٣) كذلك المساواة أمام القانون. المساواة في وظائف الدولة مبدأ شريف نصت عليه المادة الثالثة من الدستور المصري، (المصريون لدى القانون سواء، وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية. . . .)
المساواة في الحقوق العامة مزية من مزايا الحكم وظاهرة من ظواهر عدله، ولكن أساس التفضيل وقاعدة الاختيار لوظائف الدولة في الأمم الراقية الجدارة الشخصية وإمكان القيام بالواجب نحو الأمة؛ ومقياس تلك الجدارة الإنتاج العملي لا الهوى الحزبي؛ وما شرعت المساواة وجعلت حقاً من حقوق الشعب إلا لإفساح المكان للجدارة والكفاية لا للنسب والعائلة. وكلما كان الشعب إلى الفطرة أقرب كانت لعلاقة النسب والقرابة في التمييز بين فرد وآخر وتخصيصه بمنصب من مناصب الدولة الكبرى الأثر الأول، لأن قوة الحكم في الشعب حينئذ ما زالت تعتمد على العصبية، فإذا ما تطور الشعب بعوامل التهذيب جُعلت القاعدة في الاختيار والتفضيل الكفاية الشخصية وتُنوسيت عصبية القرابة الضيقة، لأن مجموع الشعب أصبح حينئذ يعتبر كمجموع أفراد لعائلة واحدة.
ومن هنا تغلب الظاهرة النفسية التي تسمى (المحسوبية) - والتي تعد مرضاً اجتماعياً خلقياً في الشعب - في الشعوب الفطرية أو فيما هي أقرب إليها وإن اتخذت أحدث الأساليب في نظام الحكم، فإذا كانت هذه الظاهرة متفشية الآن في مصر - وستبقى متفشية فيها مهما شرع ضدها من قوانين، لأن علاج ذلك ليس بسن قانون وتشريع وإنما بتهذيب الشعب نفسه - فذلك لأن الشعب المصري مازال يعتبر قاعدة الجدارة في الاختيار في المنزلة الثانية.
فالمبادئ الأساسية التي هي مظهر الحكم الديمقراطي، من تمثيل نيابي وإعلان حرية الفكر وإبداء الرأي والمساواة أمام القانون والتمتع بالحقوق السياسية والمدنية لكل فرد مصري أو متمصر، موجودة في أسلوب الحكم المصري الحديث، ولكن مظاهر الحياة الواقعية للشعب تدل على أن سلوكه العملي منحرف عنها وموقفه تجاهها سلبي. وبالرغم من ذلك فهل يترقب لهذا النظام أثر إيجابي حتى يكون كفيلاً بتغيير هذا الموقف وبترقية الشعب؟.
لا يجحد أن تمشى الحكم مع هذه الأسس من العوامل التي تُشعر الفرد باستقلاله وحريته