ويقول البعض: ونحن لا نجحد قيمة الأدب ولكنا لا نجد فيه الهوة تنفي سأمنا وتملأ فراغنا حين ننتهي من جدنا، نتخذه مسلياً لا قائداً يتصرف بأمورنا، ولكن هذا الأدب قد يكون ضرباً من اللهو يتفكر به قوم قل جدهم ولكن ليس الأدب كله. وكيف يكون الأدب الذي يمثل حياة الناس ويصور هناءهم وشقاءهم، وحيرتهم وطمأنينتهم، ثم يأتي المجتمع يحاول أن يهدم هنا، ويبني هناك، كيف يكون هذا الأدب لهواً تلهون به في فراغكم وهو الأدب الذي ينفذ إلى النفس فيجردها من خرقها الرثة وينشئ لها حياة جديدة وجواً جديداً؟ وإذا كانت رسالة العلم، أن تقرب وسائل الحياة، وتنوع أسباب الرفاه والراحة فان رسالة الأدب من حياة الأمة رسالة تثقيف الروح وتهذيب النفس وصقل العقل. رسالة تنزل منها منزلة الإيمان، رسالة لا يستطيع العلم أن يقوم بها وحده. وما وحّد علم بين أبناء وطن واحد، ولكن الأدب وحد ويوحِّد!
أما حاسة الارتياح إلى الأدب والفن أو حاسة تذوقهما فهي حاسة جذورها بعيدة القرار في النفوس. هذه الحاسة تدفعنا بالرغم منا، وبدون وعي منا إلى أن نطلب الموسيقى مثلاً لأن نفوسنا تحن إليها، وإلى أن نغتبط بمطالعة قصة أو إنشاد قصيدة تمثل نفوسنا برغم المادة التي ترين على قلوبنا. هذه الحاجة هي ميزان أذواقنا وميولنا، لاشيء يقدر على إخمادها، والذهاب بها. ناهيك بأن كثيراً من هذه الأنواع الفنية والأدبية ما تتصل أسبابه مباشرة بأسباب حياتنا الاجتماعية، وان الأديب الذي لا يشعر بهذه الحاجة التي تسوقه إلى الكتابة لا يستطيع أن يبدع شيئاً، أو الفنان الذي لا يحس هذا الدافع في نفسه لا يقدر أن ينشئ شيئاً!
كانت المقاييس التي توجه الأدب والفن أيها السادة مقاييس فنية تستلزم صدقها ودقتها من الأدب والفن نفسها. عودوا مثلاً إلى الأدب الفرنسي وانظروا كيف يدرسه الطلاب على مقاييس فنية صرفة، أما اليوم فقد تبدلت المقاييس وأخذت مقاييس المبادئ الاجتماعية والسياسية تطغى عليه. وبحسب هذه المقاييس تغيرت اتجاهات الأدب والفن، وتطورت غاياتهما في الجيل الحاضر. وتعليل ذلك أن الأدب كان يحيا منكمشاً بنفسه يصف الجمال للجمال، ويرسم الفن للفن، ويقنع بأن يطل على الحياة إطلالاً، ويعمل على إكبار شأن الفرد ويجعل الأديب نفسه قلب الوجود تتلاقى فيه الأشياء أكثر مما يتوزع في الأشياء. وأما