اليوم فقد خرج إلى الحياة، وإلى المجتمع وإلى السياسة. فأصبحنا ندرس الأدب على هذه الطريقة.
من الأدب الأدب الذي لا غاية له إلا نفسه. يتغنى الشاعر مثلا لأنه يريد أن يغني لنفسه ويسمع ألحان نفسه؛ ومن الأدب الذي نزل إلى المجتمع وخبر خلائق الناس وعالج الحياة؛ ومن الأدب الذي تفيأ ظل الدولة والسياسة والأحزاب. أما الأدب الأول ففي إمكاننا أن ندعوه (الأدب الأرستقراطي) لأن الأديب فيه لا يعمل إلا لنفسه، أو لفئة نزره العدد تعجب به، فهو من نفسه في عالم واسع المدد منفصل عن هذا الوجود، والأدب الثاني ندعوه (الأدب الديموقراطي) يعنى بالطبقة الوسطى ويعالج مسائلها ويصور آلامها ويقلب وجوه حياتها؛ والأدب الثالث ندعوه (أدب الأزمة) تخلقه أزمة اجتماعية كأدب الثورة الفرنسية، وأدب الثورة البلشفية الحمراء، أو تبدعه أزمة سياسية كأدب الحرب العظمى الذي صور فضائع الحرب وجوها المكفهر، وأدب الفاشية الإيطالية، والهتلرية النازية. أو تخلقه أزمة عصبية أو دينية أو اقتصادية. وقد يقوم أدب على غير هذا الغرار يتجرد من كل هذه العوامل الضيقة، عوامل الزمان والمكان، أدب شامل إنساني يعانق الإنسانية من أقصاها إلى أقصاها على اختلاف شعوبها ونزعاتها. ولكن حدث هذا الأدب يقوى في أيام البلاء ويخفف من أيام الهناء، لأن الشقاء يقرب الضعيف من الضعيف! حتى إذا استراح الاثنان عادا إلى نزاعهما الذي لا ينتهي.
ومن ذا لا يتأمل في أدب اليوم ولا يجده ميدان صراع في كل بقعة من بقاع الحضارة؟ فأدب الأمم الديمقراطية يذود عن الديمقراطية ويدافع عن حرية الفرد بما في وسعه أن يدافع، لأنه يعلم أن تقييد الأدب هو نوع من القضاء على حريته التي لا يحيا إلا بها. هذه الحرية يتباهى بها لأنه يراها مستمدة من حرية الحياة التي لا تضيق، وأدب الأمم الدكتاتورية يصول صولة أربابها ويفرض على الناس نفسه، فبينما نرى في الأدب الديمقراطي كل فرد يفكر وحده تفكيره الخاص، له استقلاله وذاته وعالمه واعتقاده، نرى في الأدب الدكتاتوري أن الفرد الواحد يفكر تفكير الأمة كلها، وأن الأمة كلها تفكر تفكير هذا الفرد. وخير ممثل للأدب الحر المدرسة الأدبية الفرنسية التي لا تزال تحترم مبدأ ثورتها الذي أعلن حرية الفرد وزاد عنها. ولعل الوضع السياسي الذي خرجت به من