الحرب العظمى أيد هذا الأدب، ولم يزج بها في أحضان الآداب الأخرى التي ولدتها الأزمات المختلفة. وفي هذه المدرسة تجد ألوان الأدب والتفكير متآلفة على اختلافها، فيها الأدب الفردي والأدب الاجتماعي والأدب الإنساني والأدب الشعبي والأدب الشيوعي، ولكن هذا لا يجعلنا نقول: إن مقاييس أدبها وفنها لم تختلف، فلقد تبدلت المقاييس الفنية، وكاد يحل محلها مقاييس تتبع النظريات السياسية والاجتماعية، ولكن محمدة هذه المدرسة أنها وسعت كل هذه الألوان المتقاربة، وهذه المبادئ المتنافرة، وتقبلتها كلها باسم الديمقراطية. . .
إن أدب الأمم الدكتاتورية يسعى كما توجهه الدكتاتورية، ضيق الفسحة، قريب الغاية، سليب الحرية، لأن أصحابها جعلوا منه وسيلة للدعاية المحلية، ويسيطروا على كل ما يتفرع من الأدب والفن كالمسرح والسينما. وأول من بشر بأدب (الدعاية) الأديب الروسي (بليكانوف) الذي كان يقول في مطلع هذا القرن (إن كل أثر فني مرتبط بحياة الشعب السياسية) وقد شاعت هذه النظرية في مؤتمر (فولنا) الذي انعقد في (روما) سنة ١٩٣٤ للبحث في أدب المسرح وفنه، فقال فيه أحد مخرجي السوفييت:(إن أدب التمثيل بحاجة إلى الاقتراب من الشعب، وملامسة روحه) وقال فيه أحد فناني الألمان: (إن السياسة الممثلة يجب أن تتمثل في أدب التمثيل لأن السياسة اليوم هي روح حياة الشعوب).
وفي روسيا بعد هدوء ثورتها الاجتماعية أدرك أقطابها قيمة الفن، فسخروا كل أنواع الأدب والفن لنشر دعاياتهم ومبادئهم. وعن السينما يقول (لينين) إنها الفن الأول للثورة. . . لأنها تصور الآلام الاجتماعية التي كانت ظهور الناس تلتوي تحتها، وتهيئ النفوس لحياة أعدل ومثل أعلى. وفي المؤتمر الأخير الذي عقده أدباء الروس قال أديبهم الكبير (مكسيم غوركي): (إن الدولة اليوم يجب أن يقودها ألوف من أرباب الثقافة الكاملين. وهذه وسيلة ضرورية لترد على الشعب العامل وسيلة إنماء عقله وبراعته ومواهبه التي هي حق من حقوقه المسلوبة في جميع أنحاء العالم. هذه الغاية التي تتحقق بالعمل - تحتم علينا - نحن الأدباء - أن نكون مسئولين عن عملنا وسلوكنا الاجتماعي وهو عمل لا يحيل منا أدباء واقعيين، وقضاة على الناس ونقاداً للحياة فحسب. وإنما هو عمل يعطينا الحق بإنشاء حياة جديدة وتطور جديد. ومثل هذا الحق يوجب على كل أديب أن يشعر بمسئوليته الخطرة في