للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عبرت بأبلغ تعبير عن الثقة بوجوده، والاطمئنان إليه، والحواس هي طريق المعرفة الأولى، والنوافذ التي تطل منها النفس على العالم الخارجي، فلو أغلقت هذه النوافذ آض العالم عدماً. ولو أن رجلاً ولد أعمى أصم لكان عالم الألوان والأصوات (بالنسبة إليه) غير موجود، ولما استطاع مطلقاً تصور الخضرة والحمرة. . .

كل هذا مسلم به، ولكن هل يحق لنا أن ننكر وجود شيء من الأشياء لأننا لا ندركه بحواسنا؟ هل يجوز لنا أن نقول إنه ليس في الوجود ملائكة مثلاً، لأننا لم نر الملائكة ولم نسمع أصواتهم ولم نلمسهم؟ هل نستطيع أن ننكر الشياطين؟

وبالعبارة الثانية: هل هذه الحواس كاملة تطلعنا على كل شيء في الوجود؟ وهل هي صادقة لا تخدعنا ولا ترينا الشيء على غير حقيقته؟

إني أسألك أولاً: كم هي الحواس؟ فتقول إنها خمس، فأسألك: ألا تعرف لها سادسة؟ فتضحك وتحسبني أمزح، لأن الحواس كاملة لا يمكن الزيادة عليها. وأنها مشهورة معروفة من قديم الزمان، لم يفكر أحد أن بالإمكان كشف حاسة سادسة لها.

بينما يعرف صغار طلبة البكالوريا الذين يقرءون علم النفس، أن هناك حواس أخرى، وتعرف ذلك أنت إذا دققت في نفسك وحللت مشاعرك؛ ألا تشعر بالتعب موجوداً في عضلاتك عقب المشي الطويل أو الحركة العنيفة؟ ألا تحس بالجوع والعطش والتهاب الجوف، وغثيان النفس؟ فبأي حاسة من الحواس الخمس عرفت ذلك؟ أأبصرته أم سمعته، أم شممت ريحه أم لمسته؟ إنك لم تدركه بشيء من ذلك، بل بحاسة سادسة دعنا نسمها (الحاسة المشتركة) مثلاً. . .

ثم. . . ألا تحس وأنت مغمض عينيك بأن يدك ممدودة أو مرفوعة، وأن كفك مقبوضة أو مبسوطة؟ إنك لم ترها، ولم تدركها بحاسة من الحواس الخمس، وإنما أدركتها بحاسة سابعة دعنا نسمها (الحاسة العضلية) مثلاً. . .

وكذلك حسك بالحرارة والبرودة، فإنها حاسة ثامنة، وحسك بتوازن جسمك عند المشي أو الوقوف؛ بل لقد استطاع العلماء أن يكشفوا مركز هذا الحس، وان يعلموا أنه في الأذن الداخلية، في مادة كلسية مبلورة، لو أتلفت في حيوان فقد حسَّ التوازن وسار مترنحاً كما يترنح السكران. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>