للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ثواب الله، وإنما وضعه حباً للآخرين؟ أو يتصور طالباً رأى ورقة جاره في الامتحان تستحق الرسوب، فضحى بنفسه من أجله فوضع اسمه على ورقته، ورضى بأن يرسب هو لينجح ذاك، واحتمل لوم أهله وتأنيب أصحابه، ولم يخبرهم ولم يخبر ذلك الطالب بما فعل، ولم يرج عليه ثواباً من الله، وإنما فعله حباً للآخرين؟

قد يفعل ذلك إذا كان عاشقاً؛ غير أن العشق أبعد شيء عن حب الآخرين، بل هو الأنانية بأفظع أشكالها. فأنت لا تحب مطلقاً شخص المحبوب، وإنما تحب لذتك فيه: تحب نفسك. ولو ضاعت هذه اللذة، بأن فقد المحبوب جماله بمرض مشوه أو بذل نفسه لغيرك لأقلعت عن حبه، بل لكرهته اشد الكراهية؛ والحب العذري خرافة ليس هذا موضع الكلام في بطلانها.

فمن هو إذن الذي يضع قرشه في الصندوق وينام جائعاً، ويؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة؟ هو المؤمن بالله واليوم الآخر لا لأنه أسمى من البشر فهو خارج عن النواميس النفسية، والمبادئ العامّة؛ بل لأنه يشتري لذة كبرى بلذة صغرى، فهي أيضاً أنانية. . . يبذل قرشه هذا ليأخذه في الآخرة أضعافاً مضاعفة، ويضحي بحياته هذه القصيرة الشقية لينال حياة طويلة سعيدة في الجنة. . . فالتضحية إذن لا تكون إلا ثمرة للدين، أي للوحي.

ولنعرض المسالة بشكل أوضح: لو محي الدين من الأرض هل تكفي القوانين والأخلاق الوضعية لضمان الفضيلة والعدالة؟ أما الأخلاق فليس لها مؤيد عملي، وأما القوانين فتؤيدها القوة، فالقانون معناه الشرطي، فإذا سرق اللص ولم يره أحد، ولم يقدر عليه الشرطي، فسرقته جائزة عملاً وإن لم تجز نظرياً. وإذا قتل القاتل ولم يشهد جريمته أحد فجريمته جائزة وهو غير مسئول أمام القانون. ونتيجة ذلك أن الجرائم تنتشر ويستعمل الناس ذكاءهم ومواهبهم في ابتكار الحيل للفرار من القانون كما نرى اليوم في بعض بلدان الغرب التي تستغل فيها العلوم والفنون للسرقة والغش والاحتيال، في حين أن الدين يؤيده اتباعه، وضامنه فيه. فالمتدين لا يستطيع أن يسرق أو يقتل ولو لم يره أحد، لعلمه أن الله يراه، ويطلع عليه، وهذه أقوى وسيلة لنشر الفضيلة:

لا تنهى الأنفس عن غيّها ... ما لم يكن منها لها زاجر

فكرة الإله

<<  <  ج:
ص:  >  >>