للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أن المؤمن خالد في الجنّة دائماً دائماً دائماً. . . وفكرت في ذلك لأحسست من عقلك ميلاً قوياً إلى وضع حد لهذا الدوام. ويتجلى هذا الميل في الرياضيات العالية التي فرضت اللانهاية نقطة وجعلت منها (+ (? لانهاية موجبة، و (- (? لا نهاية سالبة. . .

فإذا كان العقل محدوداً، فكيف يحيط بالله وهو عز وجل غير محدود؟ هل يمكن أن تضع بغداد في غرفتك؟ لا. والله المثل الأعلى!

الوحي

بَيّن لك من هذا ضرورة الوحي، والوحي ضرورة عقلية وضرورة عملية.

أما ضرورته العقلية فما رأينا من عجز العقل عن إدراك ما وراء المادة، وعن معرفة الله، فلم يكن بد من إتمام نقص العقل بعلم من الخارج، وهذا هو الوحي.

فالوحي علم خارجي يصل إليه العقل بالسماع والتعلم، كما أن المعارف المعقولة علم داخلي يصل إليه العقل بالإدراك والتفكير، وكلاهما من الله. لذلك لا يمكن أن يكون بينهما تناقض مطلقاً، لأن الله عز وجل مبدع حكيم؛ ومن شروط حكمة المبدع ألا يكون فيما يبدعه تناقض، فالدين الصحيح (أعني الوحي) والعقل السليم متفقان في المبدأ، متعاونان على بلوغ الغاية، لا يقوم أحدهما إلا بالآخر. فلابد للوحي من عقل يدركه ويؤمن به، ولابد للعقل من وحي يكمل نقصه، ويمكنه من إدراك مالا يستقل بإدراكه منفرداً. وليس معنى هذا أن العقل يستطيع إدراك كل ما جاء به الوحي، لأنه لو كان هذا لما كان للوحي من حاجة، ولكن معناه أن الوحي لا يناقض العقل، ولا يوجب ما يحيله، أو يحيل ما يوجبه.

وأما ضرورته العملية فهي أن الفضيلة والعدالة لا تقومان في الأرض إلا بقيام الدين. وبيان ذلك أن الإنسان مسوق أبداً في حياته بالمنفعة الخاصة، لا يعمل عملاً إلا إذا كان له فيه فائدة أو لذة؛ وعبثاً تحاول حين تحاول أن تجد عملاً واحداً يعمله امرؤ لمنفعة غيره فقط. . . ولست بحاجة إلى سرد أمثلة من لاروشفوكلد فقد نشرت عنه الرسالة فصلا ممتعاً في عدد من أعدادها الماضية لا أذكر رقمه تستطيع أن تفتش عنه وترجع إليه، ولكن أسأل القارئ وآمل أن يجيب بإنصاف: هل يتصور رجلاً ملحداً (لا يؤمن بالله واليوم الآخر) فقيراً جائعاً ليس معه إلا قرش واحد لعشائه يضع هذا القرش في صندوق الطيران الوطني أو صندوق جمعية خيرية من غير أن يراه أحد، ثم لا يخبر بذلك أحداً ولا يرجو (بالطبع)

<<  <  ج:
ص:  >  >>