للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويقتبس من أدبه، وكان الرافعي يومئذ كاتباً بمحكمة طلخا، ففارق عمله بغير إجازة، وسعى إلى لقاء الكاظمي في القاهرة، وهو يمني نفسه بأن يكون بينهما من الود ما يرفع من شأن الرافعي ويجدي على أدبه. وكان في الكاظمي - رحمه الله - أنفة وكبرياء، فأبى على الرافعي أن يلقاه ورده رداً غير جميل، إذ كان الرافعي يومئذ نكرة في الأدباء، وكان الكاظمي ما كان في علمه وأدبه وشهرته وكبريائه، مع خلته وفقره. واصطدمت كبرياء بكبرياء، وثار دم الرافعي وغلى غليانه، فذهب من فوره فأنشأ مقالة (أو قصيدة، لا أذكر) نال فيها من الكاظمي ما استطاع أن ينال بذمه والزراية عليه والغض من مكانته؛ وما كان الرافعي مؤمناً بما كتب، ولكنه قصد أن يلفت الشاعر إليه بالإنذار والتخويف، بعد ما عجز أن يبلغ إليه بالزلفى والكرامة.

وفعلت هذه الكلمة فعلها في التقريب بين الأديبين، فأتصل الرافعي بالكاظمي وصفا ما بينهما وأخلصا في الوداد والحب حتى لم يكن بينهما حجاب، وحتى صار الرافعي أصفى أصفياء الكاظمي، وصار الكاظمي أشعر الشعراء المعاصرين عند الرافعي، ثم ارتفعت الصلة بينهما عما يكون بين التلميذ والأستاذ، وتصادقا صداقة النظراء؛ حتى أنه لما هم الكاظمي أن يسافر إلى الأندلس في سنة ١٩٠٥ كتب كتاباً إلى الرافعي يقول فيه: (. . . ثق أني أسافر مطمئناً وأنت بقيتي في مصر. . .).

هؤلاء الثلاثة: البارودي، وحافظ، والكاظمي، هم كل من أعرف ممن تأثر بهم الرافعي من شعراء عصره. أما شوقي، وصبري، ومطران، وغيرهم ممن نشأوا مع الرافعي في جيل واحد فلا أعرف بينه وبين أحد منهم صلة تمتد إلى أيامه الأولى، وما سمعت منه - رحمه الله - حديثاً يشعر أن صلة خاصة كانت تربطه بواحد منهم في حداثته؛ فلعل عند غيري من أهل الأدب علماً من العلم يكمل هذا النقص ويسد هذه الخلة، فليتفضل من يعرف بنشر علمه مشكوراً على وفائه للأدب والتاريخ.

بدأ الرافعي يقول الشعر ولما بلغ العشرين من عمره، ينشره في الصحف وفي المجلات السورية التي تصدر في مصر، وكانت المجلات الأدبية كلها إلى ذلك الوقت في أيدي السوريين؛ فمجلة الضياء، والبيان، والثريا، والزهراء، والمقتطف، وسركيس، والهلال، وغيرها - كان يقوم عليها جماعة من أدباء سورية: كالبستاني، واليازجي، وصروف،

<<  <  ج:
ص:  >  >>