الأول من ديوانه، وما دام حافظ قد صدر ديوانه بهذه المقدمة البليغة التي أحدثت كل هذا الدوي بين أدباء الجيل فإن على الرافعي أن يحاول جهده ليبلغ بديوانه ما بلغ حافظ، وإن عليه أن يحمل الأدباء على أن ينسوا بمقدمته ديوان حافظ.
وصدر الجزء الأول من ديوان الرافعي في الموعد الذي أراد بُعَيدَ ديوان حافظ بقليل، وقدم له بمقدمة بارعة فصل فيها معنى الشعر وفنونه ومذاهبه وأوليته، وهي وإن كانت أول ما نعرف مما كتب الرافعي، تدل بمعناها على أن ذلك الشاب النحيل الضاوي الجسد، كان يعرف أين موضعه بين أدباء العربية في غد. وإذا كانت مقدمة حافظ قد ثار حولها من الجدل ما حمل بعض الأدباء على نسبتها إلى المويلحي، فقد حملت هذه المقدمة الأديب الناقد الكبير الشيخ إبراهيم اليازجي على الشك في أن يكون كاتبها من ذلك العصر، مما يخادع نفسه في قدرة الرافعي على كتابتها. قال الأستاذ جورج إبراهيم:
(لما هم الرافعي أن يكتب مقدمة ديوانه، جاء ألي في جلبابه والحر شديد، فحدثني من حديثه، ثم سألني أن أهيئ له مكاناً رطباً يجلس فيه ليكتب المقدمة. فجلس في غرفة من الدار، ثم تخفف من لباسه. . واقتعد البلاط بلا فرش، وبسط أوراقه على الأرض وتهيا للكتابة؛ فحذرته أن تنال منه رطوبة البلاط في مجلسه الطويل، فقال: لا عليك يا جورج؛ غني لأحب أن أحس الرطوبة من تحتي. . . فينشط رأسي. . . ثم استمر في مجلسه يكتب وليس معه ولا حواليه من وسائل العلم إلا قلمه وأوراقه، حتى فرغ من المقدمة في ساعات. . .
قال: (فلما تم طبع الديوان أهدى نسخة منه فيما أهدى إلى العلامة الشيخ إبراهيم اليازجي، والشيخ اليازجي يومئذ أديب العصر وأبلغ منشئ في العالم العربي. وكان الرافعي حريصاً على أن يسمع رأي الأستاذ اليازجي في شعره وأدبه، ومضى زمان ولم يكتب اليازجي، على حين تناولت كل الصحف والمجلات ديوان الرافعي ومقدمته بالنقد أو التقريظ، واحتفل به المؤيد احتفالاً كبيراً فنشر مقدمته في صدره، والمؤيد يومئذ جريدة العالم العربي كله.
قال: (واستعجبت أن يهمل أستاذنا اليازجي هذا الديوان فلا يكتب عنه، واغتم الرافعي لذلك غماً شديداً، إذ كان كل ما يكتب الأدباء في النقد لا يغني عن كلمة يقولها اليازجي. فذهبت أسأله، فقال لي: أنت على ثقة أن هذه المقدمة من إنشاء الرافعي؟ قلت: هو كتبها بعيني فما