أشك في ذلك. قال اليازجي: وأنا ما أبطأت في الكتابة عن الديوان إلا من الشك في قدرة هذا الشيخ على إنشاء مثل هذه المقدمة؛ فأنا منذ أسبوعين أبحث عنها في مظانها من كتب العربية. . . قلت: يا سيدي، إنه ليس بشيخ، إنه فتى لم يبلغ الثالثة والعشرين. . .).
وكتب اليازجي بعد ذلك في عدد يونيو سنة ١٩٠٣ من مجلة الضياء في تقريظ الجزء الأول من ديوان الرافعي ما يأتي:
(. . . وقد صدره الناظم بمقدمة طويلة في تعريف الشعر، ذهب فيها مذهباً عزيزاً في البلاغة، وتبسط ما شاء في وصف الشعر وتقسيمه وبيان مزيته، كلام تضمن من فنون المجاز وضروب الخيال ما إذا تدبرته وجدته هو الشعر بعينه. . .).
ثم انتقد الأستاذ اليازجي بعض ألفاظ في الديوان، وعقب عليها بقوله:
(. . . على أن هذا لا ينزل من قدر الديوان وإن كان يستحب أن يخلو منه، لأن المرآة النقية لا تستر أدنى غبار، ومن كملت محاسنه ظهر في جنبها اقل العيوب؛ وما انتقدنا هذه المواضع إلا ظناً بمثل هذا النظم أن تتعلق به هذه الشوائب، ورجاء أن يتنبه إلى مثلها في المنتظر، فإن الناظم كما بلغنا لم يتجاوز الثالثة والعشرين من سنيه، ولا ريب أن من أدرك هذه المنزلة في مثل هذه السن، سيكون من الأفراد المجلين في هذا العصر، وممن سيحلون جيد البلاغة بقلائد النظم والنثر).
بلغ الرافعي بالجزء الأول من ديوانه مبلغه الذي أراد، واستطاع بغير عناء كبير أن يلفت إليه أنظار أدباء عصره. ثم استمر على دأبه، فاصدر في سنة ١٩٠٤ الجزء الثاني من الديوان، وفي سنة ١٩٠٦ أخرج الجزء الثالث، وفي سنة ١٩٠٨ الجزء الأول من ديوان النظرات؛ ومضى على سنته، معنياً بالشعر، متصرفاً في فنونه، ذاهباً فيه مذاهبه، لا يرى له هدفاً إلا أنه يبلغ منزلة من الشعر تخلد اسمه بين شعراء العربية.
وتألق نجم الرافعي الشاعر، وبرز اسمه بين عشرات الأسماء من شعراء عصره براقاً تلتمع أضواؤه وترمي أشعتها إلى بعيد؛ ولقى من حفاوة الأدباء ما لم يلقه إلا الأقلون من أدباء هذه الأمة، فكتب إليه الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده يقول:
(. . . أسأل الله أن يجعل للحق من لسانك سيفاً يمحق به الباطل، وأن يقيمك في الأواخر مقام حسان الأوائل).