للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحركة النهلستية، وكان قوامها من جانب سلسلة من الجرائم السياسية المروعة، ومن الجانب الآخر سلسلة من المحاكمات الرنانة. ففي سنة ١٨٧٧ قبضت الحكومة على خمسين من الأحرار النهلستيين وحوكموا في موسكو بتهمة التآمر على سلامة الدولة وهي التهمة الخالدة التي يشهرها الطغيان دائماً في وجه خصومه. وكان منهم صوفيا باردين وهي فتاة ثورية نابهة عرفت مثل النهلستية أمام قضاتها بما يأتي: (إن الجماعة التي أنتمي إليها هي جماعة الدعاة السلميين. إن غايتنا هي أن نبعث إلى نفس الشعب مثل نظم أفضل وأقرب إلى العدالة، أو بالحري أن نوقظ المثل الغامض الذي يجثم في نفسه، وأن نبين له عيوب النظام الحاضر حتى لا يعود في المستقبل إلى نفس الأخطاء التي يعانيها. أما متى تدق ساعة هذا المستقبل المنشود فهذا ما نجهله وليس علينا نحن أن نبينه).

وأسفرت المحاكمة عن القضاء على كثيرين بالإعدام والسجن والنفي. وفي العام التالي قبض على نحو مائتين منهم وقدموا إلى المحاكمة في بطرسبرج وليننجراد فهلك في بدء المحاكمة منهم ثلاثة وتسعون بالتعذيب والانتحار، وقتل النهلستيون من جانبهم عدة من الجواسيس، وأطلقت فتاة تدعى فيرا زاسولتش النار على تربيوف مدير الشرطة فجرحته جرحاً خطيراً (فبراير ١٨٧٨) وقدمت إلى المحاكمة فبرئت وحملت على الأعناق في مظاهرة صاخبة، ثم فرت خيفة المطاردة والانتقام. وفي أغسطس أعدم الزعيم الاشتراكي كرفالسكي في أودسا فلم تمض بضعة أيام حتى انتقم له الثوار بقتل رئيس الشرطة مزنتزيف. وفي فبراير ١٨٧٩ قتلوا في خاركوف حاكم المقاطعة البرنس ألكسي كروبتكين، وانتقمت القيصرية على الأثر بإعدام الزعيم أوسنسكي وبعض رفاقه. وهكذا لبثت المعركة على اضطرامها أعواماً طويلة تحصد أرواح الفريقين.

وكان مصرع القيصر إسكندر الثاني أعظم حوادث هذا النضال الدموي المروع وكان ذروة الحركة النهلستية؛ وكانت المحاكمة التي تلت أعظم المحاكمات السياسية التي عرفتها هذه الحركة الفياضة بالحوادث والمحاكمات الرنانة. وكان إسكندر الثاني الذي تولى العرش سنة ١٨٥٥ يجنح في بداية عهده إلى نوع من الإصلاح ومسالمة الحركة التحريرية وتحقيق بعض غاياتها. وكان تحريره لرقيق الضياع في سنة ١٨٦١ فاتحة طيبة لهذه السياسة الإصلاحية؛ وكان يميل في نفس الوقت إلى إجراء بعض الإصلاحات الدستورية التي لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>