للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لشيء مما يجري في بالك. بل نجمعها لنشيد بها مصانع تخرج لنا ملابس نلبسها ومآكل نأكلها، وأثاثاً نؤثث به بيوتنا.

ولكن من الذي يقوم بهذا الجمع؟ - الشعب، الشبان الذين أنا أحدهم. فأنا أترك العاصمة حيث الراحة والترف والهدوء. لأجوس خلال منف التي أصبحت قرية صغيرة فيصيبني التعب، وألقى أحيانا الأعراض، وأرى غالبا الفقر، فتذهب نفسي حسرات في الحالين ومع ذلك لست أيأس ولا أتقهقر.

- أنه إحساس الأمة، بدأ غامضاً، ثم اتضح شعورا ثم استحال فكرة ثم تجسد عملا.

- لا بد أن تكونوا شعبا ناضجاً جدا. أن القوة التي فيكم هي القوة التي خلقنا بها الفنون وأوجدنا العلم ولكن في نفسي سؤالا يضايقني فدعني أسألك إياه! ماذا كنتم تلبسون قبل هذه المصانع التي تريدون تشييدها. هل كنتم عراة. ثم ماذا كنتم تأكلون. هل كنتم في صوم؟ - لا، لقد كنا نشتري ثيابنا من غيرنا من الدول كذلك كنا نبتاع طعامنا. هل سمعت صرختي التي دوت. لقد أحسست بمثل مروق السهم في جسمي حين سمعتك تفوه بهذه الحقيقة المريرة. لقد شعرت بالألم، حين عرفت أن أحفادنا يعيشون متسولين لا يعرفون كيف يحيكون ثوبهم أو يصنعون طعامهم. . أنتم أهون من العبيد ماذا كنتم تفعلون لو منعوا عنكم الطعام، وحجزوا عنكم الثياب. - اطمئن، اطمئن يا أخي. فمصر اليوم من أولها إلى آخرها في ثورة على هذا الحال الأسود. وهو ينقشع وتبدو من بعد أضواء فجر جميل. فها أنا ذا قلت لك أننا نخرج فنؤسس مصانع تغسل عن كرامتنا هذه الإهانة التي جعلتك تصرخ. ومصر أنت تعرفها تستطيع أن تنتج لأبنائها كل شيء الثياب التي يلبسون، والطعام الذي يأكلون. ولكن أبناء أوروبا القارة التاجرة التي لم تعرفوها، عودونا أطعمة خاصة، وألواناً من الثياب بعينها، فأصبحنا لا نستطيع أن نعيش بدونها فاستوردناها منهم. ثم خلقوا لنا صنوفا من الزينة فاشتريناها منهم ودفعنا ثمنها غالياً. وبذلك تسربت أموالنا إلى جيوبهم.

إن أشد أنواع الاستعباد استعباد الروح والفكرة. ففي بلادنا اليوم أعداء ولكنا لا نحس بهم لأن معتقداتنا ونظام حياتنا وأسلوب تفكيرنا، لم يصلوا إليها ولم يؤثروا عليها. فنحن أحرار ولكنهم هم أنفسهم المستعبدون فقد جاءوا إلى مصر فغيرت عاداتهم وأخلاقهم وجعلتهم أمة جديدة (لعلك أنت في منف لتحارب هؤلاء الأعداء) - نعم، أنا مع مئات الألوف من أبناء

<<  <  ج:
ص:  >  >>