مصر كل منا في صدره قلب لو وضعت يدك عليه لأحسست بعالم يهتز ويموج، في أيدينا سهامنا وأقواسنا وهي تشتعل حرارة هي حرارة هذه القلوب. ثم ترتفع من حناجرنا أهازيج هي أهازيج الفوز والانتصار. وأمامنا قائد هو أحمس تحيطه الأفئدة وتجري وراءه الأرواح، وتتابعه العيون. لا يقول شيئا إلا فعلناه ولا يشير بيده إلا أسرع إليه الشباب كله، في جسمه جروح لا تعد وفي جبينه شج هو خير من تاج. سنسير اليوم صفوفاً صفوفاً تحجب كثرتها قرص الشمس، وتسير أقدامنا تطرق الأرض طرقة متسقة موسيقية تطمئن لها الروح فتنشط لها النفس. ثم تتقدمنا العجلات الحربية فيها الشبان الذين كشفت ثيابهم عن أذرعهم القوية الجبارة، وصدورهم التي ترتفع وتنخفض انتظاراً للمعركة التييرتفع فيها اسم مصر، أني سعيد يا أخي، أني سعيد، فدعني أغني وأرقص. فان ساعة الفوز قادمة - ولكن ألا تفكر في أنك قد تموت!
- أموت! ما أبدع وما أروع! وهل ثمة ميتة أعز من هذه الميتة؟ لقد مات في معركة أمس صديق لي فلما اقتربت منه أساعده وجدت شفتيه تضطربان وعليهما بسمة. ثم همس في أذني. . ما أسعدني ليهبك الله شرف هذا الموت!
ولقد أصاب سهم جنب ابن عمي، فذاق عذابا لو نال الأهرام لذابت، ولكنه كان يغمض عينه ويضغط على شفتيه، وتملأ الصفرة صفحة وجهه وهو لا يكاد يئن. أنه يستعذب الألم، أنه يستطيب العذاب، ما دام ذلك من أجل هذا الوطن الذي نعيش فيه. إن مصر لتهب القوة والجلد والصبر. أنها لتخلق من الجبناء الضعفاء مغامرين أقوياء. دعني يا صديقي أغني فان ساعة المعركة قادمة، سنمضي مثلكم في جيوشنا السلمية: صفوف منظمة، أساليب محكمة وأيمان يملأ القلب. كل سنة نشيد مصنعاً تصنع فيه الكرامة المصرية العتيدة سليمة من جديد. وفي كل لحظة نبشر بمصر التي وهبت للدنيا الفن والحكمة، وعلمتها الزراعة والصناعة ورفعت للعالم مشعلا لم يرتفع له منذ آلاف السنين.