عبد الرحمن طالباً أزهرياً ولوعاً بالأدب، له حظوة ومكان عند الأستاذ الإمام إذ كان من تلاميذه الأدنين؛ وكنا نلتقي أحياناً؛ فسرني منه ما سره مني؛ وكان يعيش عيشة مترفة ليست منها حياة الأزهريين إذ كان له من غنى أبيه ومن جاه أسرته عز وكرامة. . . فما تعارفنا حتى تصافينا، ثم اتصل بيننا الود، فكنت له وكان لي أصفى ما يكون الصديق للصديق. . .
لم أكن أعرف له أخاً أو أختاً، ولم يجر في بالي قط أن الصلة بيننا ستتجاوز ما بيننا، حتى كان يوم جلست فيه أتحدث إلى نفسي، فكأنني سمعت صوتاً من الغيب يهتف بي أن صديقي عبد الرحمن هو صهري وأخو زوجي. . . وانتبهت إلى نفسي وأنا أسائلها: أله أخت؟ يا ليت. . .! لو كان إنني إذاً من السعداء. .
وكانت نفسي في الزواج، فما هي إلا أن تحرك في نفسي هذا الخاطر حتى سعيت إلى صديقي عبد الرحمن، وقلت له وقال لي، وجرنا الكلام إلى حديث الزواج، فقلت لصاحبي: من لي يا أخي بالزوجة التي أريد؟ ووصفت له الفتاة التي تعيش في أحلامي؛ فلما فرغت من حديثي قال صاحبي: أنا لك بما تريد. قلت: أتعرف؟ قال: هي هدية أقدمها إليك. قلت: من؟ قال: أختي!
قال الرافعي: وغشيتني غشية من الفرح، فما تلبثت حتى مددت إليه يدي فقرأنا (الفاتحة)، وما وقع في نفسي وقتئذ أنني أمد يدي لأخطب عروسي لنفسي، ولكني أمدها لأتعرف إلى العروس التي خطبتها علي الملائكة وأثبتت نبأ الخطبة في لوح الغيب
وبنى بأهله، وعاشا أهنأ ما يكون زوج وزوج، ثلاثاً وثلاثين سنة - ثلث قرن - لم يدخل الشيطان بينهما مرة واحدة، ولم يتخاصما لأمر، إلا مرة. . .
قال الأستاذ جورج إبراهيم: لقد حضرت عرس الرافعي، وصحبته طوال يومه حتى صعد إلى جلوة العروس، وشهدت اضطرابه وخجلته، واستمعت إليه من بعد يتحدث عن سعادته ويغبط نفسه على حظه وتوفيقه، وما شكا إلي مرة واحدة هماً ناله، ومضى عام. . . وجاءني ذات يوم، فجلسنا نتحدث، وتسرحنا في الحديث، ولكن وجه الرافعي كان ينم على شيء. . على سر يطويه، ثم لم يلبث أن أفصح، قال: يا جورج، لقد عزمت على أمر. . . سأطلق زوجي! وراعني هذا النبأ ونال مني؛ قلت: تطلقها! لماذا؟ قال: إن إخوتها يجحدون