العزيز بأوصاف ثلاث: فوصفها بأنها مطمئنة فقال: (يا أيها النفس المطمئنة) وبأنها لوامة فقال: (لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة). وأخيرا بأنها أمارة بالسوء فقال:(إن النفس لأمارة بالسوء) وهذه النفس التي وصفت بأوصاف متباينة واحدة. فإذا امتلأ القلب سكينة ألبس النفس ثوب الطمأنينة لأن السكينة تزيد في الأيمان. وفي هذه الطمأنينة يرقى القلب إلى محل الروح لما منح من حظ اليقين. وحين يتجه القلب إلى محل الروح تتجه النفس إلى محل القلب. وهي في هذا تصيب من الطمأنينة حظا. وإذن فأنت ترى أن النفس والروح يتطاردان بحيث يملك القلب دواعي النفس تارة، ودواعي الروح تارة أخرى، كما ترى أيضا أن الملكات الباطنية عند الصوفية هي الروح والقلب والنفس. وانهم ليضيفون إليها ملكة رابعة اختلفوا في شأنها كما اختلفوا في غيرها. هذه الملكة هي (السر) ويذكر مؤلف عوارف المعارف شيئا عن هذا الاختلاف في أمر السر فيقول إن من الصوفية من جعله بعد القلب وقبل الروح. ومنهم من جعله بعد الروح وأعلى منها وألطف. ولقد
قالوا إن السر محل المشاهدة، والروح محل المحبة، والقلب محل المعرفة. ولابد من أن نلاحظ أن السر لم يرد ذكره في القرآن وإنما ورد ذكر الروح والنفس والقلب والفؤاد والعقل. ويرى مؤلف عوارف المعارف انه لما لم يذكر هذا السر في القرآن، ولما أختلف الصوفية فيه هذا الاختلاف فهو لاوجود له وجودا مستقلا في ذاته بحيث يكون ملكة خاصة كالروح أو النفس. وإنما هو وصف زائد تكتسبه الروح حينا، والقلب حينا آخر عندما يتطلع كل منهما إلى مواطن القرب. إذن فليس السر شيئا آخر غير الروح، مكتسبة وصفا زائدا على أوصافها، أو غير قلب مكتسب وصفا زائدا على أوصافه. ولابد من أن نذكر شيئا عن العقل. فهو كما يقول مؤلفنا - لسان الروح وترجمان البصيرة، والبصيرة للروح بمثابة القلب، والعقل بمثابة اللسان. ولقد شرف الله العقل في حديث قدسي خاطبه فيه بقوله:(. . وعزتي وجلالي، وعظمتي وكبريائي، وسلطاني وجبروتي. ما خلقت خلقا أحب إلى منك ولا أكرم علي منك. بك اعرف وبك احمد وبك أطاع وبك أغنى وبك آخذ وإياك أعاتب ولك الثواب وعليك العقاب. وما أكرمتك بشيء أفضل من الصبر.) واختلف الناس في ماهية العقل. ففريق يرى انه من العلوم. فمن خلا من جميع العلوم لا يوصف بالعقل. وليس العقل كل العلوم إذ أن الخالي من أغلبها متصف بالعقل. وليس العقل من