لقد ظل هؤلاء الملوك يعبدون (أهورا مازدا) عبادة حرة غير مقيدة بتعاليم نبوة (زرادشت) حتى أخر القرن الخامس قبل المسيح حيث اعتنقوا الديانة (الزرادشتية) وطبقوا كل طقوسها.
(الديانة الزرادشتية)
حياة زرادشت
يجمع أكثر الباحثين على أن (زرادشت) قد وجد حقاً وإن كانوا جميعاً لا يجرؤون على القول بأن لديهم أي برهان علمي يدل على وجوده؛ وهم يجمعون كذلك على أنه وجد حوالي نهاية القرن الثامن قبل المسيح، وإن كان قد شذت عن هذا الإجماع الأخير شخصية من أجل الشخصيات العلمية، وهي شخصية الأستاذ (كليمان) الفرنسي الذي يرى أنه وجد في أوائل القرن العاشر قبل الميلاد.
يحدثنا أولئك الباحثون أن تاريخ هذا الزعيم الديني مفعم بالأساطير الشعبية الغريبة التي لا يخلو منها شعب من الشعوب والتي رأينا صورة منها في تاريخ (بوذا)؛ فمن هذه الأساطير أنه ولد ضاحكاً، رافعاً وجهه ويديه نحو السماء، وأنه حدثت ليلة مولده معجزات شتى رآها الخاصة والعامة؛ ومنها أنه تحدى بعض مشاهير السحرة في عصره فحاولوا أن يهلكوه بكل ما أوتوا من علم وقوة، ولكنهم فشلوا في ذلك فشلاً ذريعاً. ومن ذلك أنه كان ينسحب من البقاع الآهلة بالسكان ويأوي إلى الصحراء، ليعتكف فيها مناجياً ربه بقلبه ولسانه، وأنه كان يوحى إليه بوساطة رؤساء الملائكة، وأنه عرج به إلى حيث الإله نفسه فصار أمامه، وأنه سحر الملوك ببراهينه، وأنه كان دائماً على رأس الدعاية التي أسسها لدينه، وأنه مات في إحدى الحروب الدينية التي كان يقوم بها تبعاً لأوامر شريعته، إلى غير ذلك من الأساطير الفاتنة التي تنظمها الشعوب عادة، لتحوط بها زعماءها أو تتخذها رمزاً لمستقبلها.
أما التاريخ فيحدثنا أن (زرادشت) نشأ في بيئة ريفية متواضعة لا تستطيع أن تحمي نفسها مما ينزل بها من غارات جيرانها، ولهذا كان أكبر ما يشغل (زرادشت) في شبابه هو أن ينجو هو وأسرته من غزو القبائل الرحالة التي كانت تتهدد تلك الجهات في ذلك العهد. ويحدثنا أيضاً أن أخلاقه الشخصية كانت على أسمى ما يمكن أن يكون في تلك العصور،