للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فقد رأينا آنفاً أنه عارض الدين القديم لحماية الأخلاق، إذ أعلن أن الخلود لا يكون إلا جزاء للفضيلة؛ وقد أعلن كذلك أن قتل أي كائن حي في الغزو والغارات المؤلفة لأجل السرقة والسلب هو من أفظع أنواع الجرائم حتى ولو كان هذا المقتول حيواناً، ولكن التبعة في ذلك واقعة كلها على المعتدين لا على المدافعين عن أنفسهم. وعنده أيضاً أن أجل الغايات هي الخلود النفساني وإن كان السمو لم يمنعه من أن يعنى بالحياة الدنيا عناية فائقة إلى حد أن يفسح في أدعيته مكاناً عظيماً لطلب متع الحياة من: مال وخيل وجمال فيقول (أنا أسألك أن تنبئني بالحقيقة يا (أهورا) هل أنت العدل حقاً؟ وهل حقاً سأنال هذه المكافأة التي وعدت بها، وهي عشرة أفراس وحصان وجمل، وأيضاً الهبة المستقبلة التي وعدتني بها وهي النعيم والخلود).

أهم مميزات الديانة الزرادشتية

قبل أن ندخل في تفاصيل هذه الديانة يخمل بنا أن نشير إلى أهم مميزاتها العامة التي تأسست عليها، وهي:

(أ) إن هذه الديانة أسست على فكرة خطيرة أحدثت في تاريخ الديانات هزة عنيفة لا عهد لها بها من قبل، وهي أن جميع الآلهة المذكورة في تاريخ الديانات كانت آلهة محلية أي كان لكل شعب آلهته، بل لكل مقاطعة آلهتها، أو لكل قرية إلهها، وأن كل التطورات التي أحدثها الزعماء الدينيون قبل (زرادشت) كانت تتناول تغييرات داخلية كما أشرنا إلى ذلك حين مثلنا لك بأخناتون، أما (زرادشت) فقد استطاع أن يعلن في جرأة أن (أهورا مازدا) ليس إلهاً فارسياً، وإنما هو إله الكون كله، وأنه هو نبي تلقى الوحي من هذا الإله العالمي الذي ليس له شريك وإنما له خصم هو دونه في الرفعة وهو (أهرمان) إله الشر الذي سينهزم على ممر الزمن وسينعدم جنده وأنصاره بانعدام الرذيلة من فوق الأرض.

(ب) إن هذه الديانة تمتاز عن غيرها من الديانات القديمة بأنها بنيت على أساس مبدأ تعميم الخير وإبادة الشر، وهي ترى أن من أهم الوسائل الضرورية لتحقيق هذه الغاية هو تقوية النوع البشري ونشر الخصوبة والعمران على سطح الأرض. ويلاحظ بعض الباحثين أنه وإن وجد الخير والعدل في غير الديانة الفارسية من الديانات القديمة، إلا أن تلك الديانات لم تتخذهما غاية لها كما فعل (زرادشت)؛ فخصومة (أوزيريس) وشقيقه (سيت) لم تكن

<<  <  ج:
ص:  >  >>