حرباً بين الخير والشر، وإنما كانت خصومة سياسية اضطرمت نارها من أجل الاستيلاء على العرش، وإن كان أصحاب هذا الرأي لا يستطيعون أن يجحدوا أن الحق والعدل قد فازا في هذه الأقصوصة بأكبر نصيب، ولكن هناك فرقاً بين كون العدالة ممثلة في الأسطورة كما كانت الحالة في مصر وكونها غاية لها كما هي الحال في الديانة (الزرادشتية).
أما في بابل فالحالة أدهى وأمر، إذ نلفي الآلهة هناك بعيدين كل البعد عن فكرة العدالة كما تدل على ذلك أسطورة الطوفان البابلي الذي تكبت به آلهة بابل بني الإنسان دون ذنب جنوه ولا جريمة اقترفوها، وإنما كان بسبب نزاع قام بين أولئك الآلهة.
(ج) وحد (زرادشت) بين الإله (مازدا) وبين الخير توحيداً جعلهما اسمين لمسمى واحد، فسبق أفلاطون إلى هذا المزج الفلسفي والأخلاقي العظيم. وبهذا أصبح الخير قلب الديانة (الزرادشتية) الذي ينبض بحياتها، وقد أعلن أن الخير سيعم الكون كله عندما تسود الفضيلة وينهزم إله الشر (أهرمان) الذي هو العدو الأوحد لأهورا والذي هو دائم الحرب معه مستعيناً بجنوده من أنصار الرذيلة والفساد، والذي يجب على كل مؤمن أن يقوم بنصيبه من قتاله بإبادة جانب من جوانب الرذيلة.
يرى بعض العلماء أن تأسيس الديانة الزرادشتية على الفكرة من حيث هي ليس مميزاً لها، وإنما المميز هو تأسيسها على فكرة الخير، إذ كل الديانات الراقية: قديمها وحديثها قامت على مبادئ مختلفة، فالبوذية مثلاً أسست على مبدأ: الألم، والمسيحية على مبدأ: الحب، والإسلامية على مبدأ: التوحيد.
ويعلق ذلك الفريق من العلماء على هذا الرأي بقوله:(ولكن الشعوب التي ظهرت فيها هذه الديانات لم تفهم تلك المبادئ العالية التي قصد إليها زعماؤها، وإنما أحاطوها بسياج سميك من أساطير الوثنية الأولى التي بعثوها من مراقدها وأنزلوها من الاحترام العملي منزلة طغت على الغاية الأساسية للديانة؛ فأنت إذا فتشت في هذه الديانات الراقية بعد وفاة زعمائها وجدت ذلك ملموساً لا يحتاج إلى جدل، ف (بوذا) لم يتخيل قط أنه سيؤله ويعبد بعد موته، ولو تخيل هذا في حياته لانكسر قلبه حزناً وألماً؛ و (زرادشت) لم يتصور البتة أن الشعب سيرفعه بعد عشرين سنة إلى منزلة (أهورامازدا)؛ والمسيح لم يدر له بخلد أن