يترقبك السارق ليحتمي بسوادك في سرقته، والعاشق ليفر في سكونك بعشيقته، والناسك ليبتهل إلى الله في صلواته، ويتحد معه في مناجاته، والشاعر لينظم شجونه في قصيدته، والملحن ليوقع لحنه على قيثارته، والسياسي ليدبر مؤامراته، والعالم ليفكر في نظرياته
ولكن لماذا استأثرت بكل هذا والنهار قسيمك في الخدمات وعديلك في الحياة؟ بل هو أشد منك حياة وأكثر قوة، فسلطانه الشمس وسلطانك القمر، وسلاحه الضوء وسلاحك الظلام، وشعاره البياض وشعارك السواد؛ وهو مبصر وأنت أعمى، وطبيعته الحركة وطبيعتك السكون؛ وهو يدعو إلى النشاط والعمل وأنت تدعو إلى الخمول والكسل، ولكن شاء الله أن يمن على الذين استضعفوا في الأرض ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين، فجعل من قوة النهار ضعفاً ومن ضعفك قوة
انتهرت فرصة السكون الذي منحك الله فجعلت منه حركة دونها حركة النهار، فحركته حركة جسم وآلات، وحركتك حركة عواطف وانفعالات، وشتان ما بينهما! لقد أطاق الناس مصائبه ولم يطيقوا مصائبك، فقال الشاعر:
واستعنت بسلطان الحب فجعلته من أعوانك، وأسرت العواطف فاتخذتها من خدامك، فلما اجتمع لك الحب والعواطف نازلت بها الزمان، وغلبت بها كل سلطان؛ فالوصل لا يلذ إلا في ظلك، والهجر لا يلدغ إلا في كنفك، والسرور لا يشع إلا في حضرتك، والألم لا يضني إلا في هدءتك
من تعب في النهار وجد فيك راحته، ومن أتعبته الحركة نعم فيك بسكونه، ولكن من تعب فيك لم يجد في النهار عوضاً عنك، ولم يرض به بديلا منك
جالت هذه المعاني في فكري، وامتلأت بعظم الليل نفسي، فمنّ عليّ بنومه لذيذة، هادئة عميقة، فقابل جميل ثنائي بجميل صنعه، وأدى فريضة شكري بجزيل فضله