للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من الأدب هذا الهدف فلمن ننشد هذا الأدب؟ الشباب لا يقرءون أم لشباب يقرءون، ولا يفكرون؟

يظن الصديق الكريم أنه روعني وفي الحقيقة شجعني. إذ الخير لي أن أعطي فكرة تُناقش وترد لي محطمة من أن أعطي فكرة تضيء بين عميان يقدسونها ولا يحسونها!

هذه ظاهرة حسنة من ظواهر أدبنا تدل على الاتجاه الثقافي الذي اتجه إليه أدبنا في العهد الجديد. وقد كنا في عهد إذا وجد الأديب لم يوجد القارئ، وإذا وجد القارئ لم يوجد الأديب، وقد بدأنا بعهد يستطيع الاثنان فيه أن يوجدا!

ها قد جئت ولا أدري ما يكون نصيبي بعد ما سكن روعي. ولكني أرجو أن يكون حظي في هذه المدينة حظ ذلك المكان المسحور الذي شاع عنه أنه لا يبيت فيه بائت ليلة إلا لقي حتفه حتى جاءه رجل يريد الموت، وما أشد عجب الناس حين وجدوه حياً، لأنه بإرادته الموت عاش. وهكذا أرجو أن أفك هذه الطلاسم لأني أريد أن أراكم غير مطلسمين. وأريد أن تروني غير مطلسم!

وعلى ذكر النقد وشيوع النظرة النقدية عندكم آثرت أن تكون كلمتي - بينكم - حول النقد ورابطة النقد بالأثر الأدبي.

تدركون جيداً المرحلة التي فصلت بين انحطاط أدبنا الأخير وبين تباشير النهضة الأدبية الحديثة، وتدركون أن آفاقاً كثيرة تفتحت، وأن اضطرابات فكرية هزت عالمنا الجامد؛ وتدركون أن النقاد يرجعون هذه البوادر إلى مدرسة الأدب الغربي التي هي أعمق وأكثر ألواناً وصوراً وأكثر درساً للحياة واكتمالاً من الناحية الفنية. على أن للأدب الغربي - في أدبنا - جوانب أبرز من جوانب، والجانب الأكثر بروزاً في نظري هو جانب النقد الذي يسرني أنكم غلبتموه - فيكم - على كل شيء. فنظريات النقد التي شاعت في أدبنا يعود لها الفضل في هذا التقدم. والنقد كما يفهم الأدباء ظاهرة يخلفها الأثر الأدبي، إذ لا نقد إلا بعد الأدب. ولكني أريد أن أفهم اليوم هذه النظرية معكوسة عندنا لأنا بدأنا بالنقد قبل أن نبدأ بالأدب. ولأن الأدب الغربي الذي خلق لنا أجواء نقد، وأعطانا مقاييس نقد صحيحة، لم يفتح عندنا أجواء إنتاج بعد!

تقلبت مدارس النقد في الأدب الغربي كثيراً تقلب الأدب نفسه، والنقد فيه كان مصاحباً

<<  <  ج:
ص:  >  >>