للأدب. وليس للنقد حدود واضحة؛ ففيه نزوع إلى الجمال ونشدان الحقيقة وتسجيل التاريخ الأدبي. وقد قسم الكاتب الفرنسي (فان تيجام) ثقافة الأدب في كتابه (الأدب بالمقارنة) إلى ثلاث مراحل: الأولى المطالعة بلذة؛ والثانية المطالعة بنقد؛ والثالثة تاريخ الأدب. ولكن هذه النتيجة الملائمة للمنطق تأتي مشوشة، فهو لم يوضح عمل النقد، ولكن يبدو له أن عمل النقد شيء ذاتي ولا يمكنه أن يكون تاريخاً. أما تاريخ الأدب فهو يريد به دراسة قوية حقيقية للآثار الأدبية وما تحتويه وما تتجه إليه وما تكنّ من فن وثروة. على أن هذا هو ما ينشده النقد وينزع إليه ما استطاع
سأل الأستاذ (روزو) في مجلته (الآداب الحديثة) الأدباء: (إلى أين يذهب النقد؟) فأجاب الأستاذ (لانسون) محدداً علاقات النقد وتاريخ الأدب: (قد تمكن كتابة تاريخ الأدب بدون نقد، ولا تمكن كتابة النقد بدون تاريخ الأدب. فإذا أردت مثلاً أن تدرس المدرسة الشعرية الرمزية، فأنت مضطر إلى أن تصعد إلى أعلى وأن تسبق هذه الحركة وتطلع على ما هيأها)
ويقول (أدمون جالو): (إن النقد لا يستطيع أن يتفوق على تاريخ الأدب؛ ومن العسير أن نحكم على رجل حياته. وأظن أن القلق في أحكامنا التي نصدرها على معاصرينا إنما يأتي من هذه الناحية) على أن الناقد وإن لم يكتب التاريخ فهو يهيئ عناصره وموارده، وكثيرون من الناقدين يهيئون الأماكن المقبلة للآثار الحاضرة
وقد تطورت مهنة النقد في العصور كثيراً. فلقد كان في عصرنا قاضياً يميز الكتاب الجيد من الكتاب الرديء، والأثر الرائع من الأثر السخيف. ولكن في هذا الحكم ما فيه من الجور لأنه يضع الحكم على الآثار في أيد ليست منها على شيء! ثم أصبح الناقد معلماً يوضح الطريق اتباعها، ولكن هذه المهنة زالت أيضاً واصبح هم الناقد غير هم المعلم. وفي هذا المعنى يقول النقادة (سانت بوف): إن مهمتي كأستاذ أن أوقظ قبل كل شيء مسالك الذوق بواسطة التحليل والتحديث. أما الناقد فله واجبات أخرى الناقد يعطي أحكامه بسكون وبملازمة نفسه!)
وقد أعلن (لاسير) أن للنقد رسالة سامية لا تقف عند تحليل المؤلفين، وإنما همه أن يؤثر في الجماعات، ومثله الأعلى أن يعد شعباً حر النزعة، مفتوح آفاق العقل، صافي العاطفة،