أن تحدثني عما يدفع آلاف البشر لجذ حلوقهم في هذا العالم الذي تصفونه بأنه خير ما يستطاع خلقه، وإني لك من الشاكرين). كذلك تصدى هجل لنقد ليبنتز في رأيه هذا عن العالم، واحتج بأنه قد تركه قضية بغير دليل. فلنسلم معه جدلا بأن هذه الدنيا خير ما يمكن خلقه، أفيكون هذا دليلا على خيرها وصلاحها؟ إذا أنت أرسلت خادمك إلى السوق ليبتاع لك شيئا! فجاءك به الخادم سيئا كريها ثم أقنعك أنه خير ما يباع في السوق، أفتحكم على هذا الشيء بالجودة لأنه كذلك؟ كلا ولا ريب فلا يمنع سوءه وشره ألا يكون هناك أحسن منه، كذلك قل في العالم، قل ما شئت من خير ما يمكن وجوده، ولكن هذا لا يبرئه من النقص والشر. وكأنما ليبنتز قد لحظ هذا الضعف فيما يقول فاعترف أن في العالم شرا كثيرا، ولكنه لا يرى ذلك مناقضا لنظريته، بل يتخذ هذا الشر نفسه دليلا على صحتها. فلولا ما تحوى الحياة من بؤس وألم. لما كانت الدنيا خير ما يستطاع خلقه، لأنهما كثيرا ما يكونان سبيلا إلى الخير وسببا في وجوده!! (المرارة القليلة كثيرا ما تكون ألذ مذاقا من السكر الحلو!). ثم يسير ليبنتز بعد ذلك في البحث عن أصل الشر في العالم، فيقرر أن علة وجوده هي هذا الجانب المادي. فقد ذكرنا فيما سبق أن لكل ذرة في الوجود جانيا فعالا، وإلى جواره جانب سلبي منفعل، هو الجانب المادي منها، وبقدر ما ترجح كفة الجانب الفعال كانت الذرة أدنى إلى الكمال، ولذلك ترى كل ذرة لا تفتأ تسعى جهدها لكي تتغلب على جانبها المادي السلبي الذي يقعد بها عن السمو في سبيل الكمال. والإنسان (ككل شيء آخر) لا يدخر وسعا في هذا الجهاد العنيف الشاق. وهذا الجهاد نفسه (الذي لامناص منه بحكم طبيعة التكوين الذري) هو أصل الشر وسبب البلاء فالشر إذن نقص نشأ عن محاولة التخلص من قيود المادة، فكأنه لم يوجد إلا ليكون سلما للصعود نحو الكمال الأسمى. وعلى هذا الاعتبار يكون الشر وسيلة للخير!!
أضف إلى ذلك أن وجود الشر إلى جانب الخير، مما يعمل على جمال الحياة، التي كانت تقل عما هي الآن كمالا وجمالا لو أنها لا تحوي إلا خيرا محضا. ومن ذا الذي يتمنى حياة لا ألم فيها، تجيء على صورة واحدة لا اختلاف فيها!؟ ثم يذكر ليبنتز أن الخير هو الجانب الإيجابي من الحياة، والشر هو الجانب السلبي منها، ولما كان الله تعالى لم يخلق، بداهة، إلا الجانب الإيجابي، فلا يمكن أن يعد سببا في وجود الناحية السلبية. ولا يمكن أن