صاحبها لا يقبل الشيء نقلاً، وإنما يقبله إذا قبله عقلياً. . . . استقلال الشخصية أول ما يجب أن يلهم النقد. فبقدر ما يؤلمني فقدان الاستقلال الشخصي في الأمم، كذلك يؤلمني فقدانه في الأفراد. وكما يقبل عليك الأديب بشخصيته، أقبل أنت عليه بشخصيتك
والواجب الثاني للنقد - وهو واجب ما أحوج نقدنا إليه! هو توجيه العقول إلى التوليد. وذلك بإنماء الذوق الفني في النفس حتى تتلمس مواقع الجمال، وخلق الأجواء الخاصة له. فالشعر إذا لم يكن محدوداً فذلك لأن المحدود نفسه يتحدد فيه ويفقد روحه المنطقية، ومن كان يتنبأ بأن الشعر يخضع لظروف جديدة؟ أليس علم النفس أثر فيه كما أثر في نواح مختلفة من الأدب؟ ألم يبدل فيه وجهات كثيرة وخلق منه اتجاهات كثيرة؟ وبينما كان الشعر لغة لا تصف من النفس إلا حالات العاطفة الهائجة، ومن البحر إلا أمواجه المصطفقة أصبح يهوي إلى الأعماق التي تثير هذه العواطف المتماوجة في سكون النفس! إذ ليس من الضرورة أن تصف أوعى ما في نفسك وأقربه للاهتزاز والارتجاج. ويكفي من القصيدة أنها تضرب على وتر في أعماقك تسمع رنينه ولا تسمعه! على أني لست متشائماً من تأخر الإنتاج، لأننا نؤثر أن نتكلم بالنقد على أن نتكلم بأدب غير ناضج، ولا نريد أن يذهب تأثير الأدب الغربي إلى أبعد من جو النقد. نريده موقظاً فقط لا موحياً إلينا، وفاتحاً عن أفق لا أن يكون هو الأفق!
والواجب الثالث أن يساعد النقد - كما يقول (لاسير) على أن يعد شعباً مفتوح آفاق التفكير صافي الذوق لكي يأتي المبدعون ويجدون من يفهمهم ويمشون معهم. . . .
خذوا النقد وسيلة لا غاية. وسيلة لفتح آفاق الإنتاج القوي. ولا تجعلوا غاية سيركم بل اجعلوه طريقاً إلى غايتكم. وليكن لون إنتاجكم لون نفوسكم ولون هذه الطبيعة. ولا ترتدوا ثياب غيركم لأنكم لن تحسنوا تقليد غيركم، ثم لن تجدوا بعدها لونكم الخاص. ولا تمشوا وراء خطوات غيركم مقلدين. . . إنني رحبت بالروح النقدية عندكم على أن تكون مقدمة للإبداع المنشود!
فليكن لناقدكم ضمير يوحي إليه أن يعترف بالجمال حيثما رآه!