(استمعوا بآذانكم الأشياء الجيدة وانظروا فيها بوضوح حتى تصمموا على أحد الإيمانيين، لأن كل إنسان يجب عليه أن يصمم هو بنفسه قبل الفناء النهائي لكي يتكون حظ كل واحد منكم حسب اختياره.
إذاً، فالروحان الأولان اللذان ظهرا في الوجود كتوءمين هما: الخير والشر، وهما دائماً في التفكير والقول والعمل والحكماء قد اختاروا بينهما، وحسناً اختاروا، ولكن المفاليك هم الذين أساءوا الاختيار. وعندما تقابل هذان الروحان في مبدأ الوجود أسسا الحياة و (اللاحياة). وفي نهاية الأشياء سيكون أردأ أنواع الوجود من نصيب الذين يتبعون الكذب كما يكون أحسن الفكر من نصيب الذين يتبعون الخير. . .) إلى أن يقول:
(أيها الفانون، إذا أنتم أطعتم أوامر (مازدا) الذي نظم السعادة والألم ووضع قاعدة العقاب الطويل للكذابين وبارك الأخيار فإنكم ستفوزون بالسعادة الأبدية)
قد رأيت من هذا النص سمو (مازدا) على (أهرمان) من جميع النواحي، وعلى الخصوص من ناحيتي الأخلاق والأبدية، ولكن هذا الإله مع سموه وجلاله لم يسلب القوة والإرادة من البشر حتى ولا الأشرار منهم، بل ترك لهم من الإرادة ما يكاد يساوي إرادته نفسها، ليكونوا كاملي الحرية في الاختيار. ولولا هذه الحرية لما رأينا الكذب والشر يسودان كثيراً على هذه الأرض وينتصران أحياناً على الخير؛ وهذه السيادة وذلك الانتصار كانا أحياناً يدفعان (زرادشت) إلى التشاؤم واسوداد المزاج كما يظهر ذلك في الأنشودة الآتية: (نحو أي بلد أفر أو أنجو بنفسي؟ لقد فصلت من النبلاء ومن أمثالي، والشعب ليس مسروراً مني ولا الكذابون الذين يحكمون البلاد أيضاً. ماذا أعمل لأرضيك أنت يا (مزدا أهورا)؟
أنا أعرف جيداً لماذا لم أحز أي نجاح: ذلك لأني ليس لدي مال ولا رجال. أنا أدعوك يا (أهورا) أن تمنحني مساعدتك كما يساعد الصديق صديقه.
يا (مازدا) متى تشرق شمس انتصار الخير في العالم بوساطة الحكمة السامية الممثلة في المحررين الذين سيجيئون؟.
لم تقبل هذه التثنية (الزرادشتية) إلا أثناء حياة مؤسسها، أما بعد موته فقد دار حولها الجدل ولم يفهم الناس هذه الموازنة المعقدة التي وضعها زرادشت بين الخير والشر. وما زال هذا