الجدل يعمل عمله حتى انتهى حوالي القرن الرابع بعد المسيح بأحداث تغيير جوهري في هذه الديانة، فذهب فريق من رجال الدين إلى إنكار التثنية بتاتاً وإعلان التوحيد حيث صرحوا بأن (مازدا) هو الإله الأوحد، وأن (أهرمان) ليس خصماً له وإنما هو خصم روح القدس في (مازدا) إذ هذا الأخير يحتوي على روحين: أحدهما خيّر والثاني شرير.
الملائكة والأرواح الخفية
يتحدث كتاب (زند أفيستا) عن عدد من كبار الملائكة كانوا وزراء لأهورا مازدا، وقد حددهم القسم المتأخر من هذا الكتاب بستة وزراء، كل واحد منهم له اختصاص معين وعمل محدود؛ ووزاراتهم هي كما يأتي:(١) الفكرة الخيرة. (٢) الفضيلة الجُلَّى. (٣) الإمبراطورية المشتهاة (٤) التنازل الكريم. (٥) الصحة. (٦) الخلود.
هؤلاء هم رؤساء الملائكة الذين يكونون الهيئة العليا التي تلي (أهورا) مباشرة. وهناك عدد عظيم من صغار الملائكة ومن الأرواح والجن، لكل واحد منهم أيضاً مهمة يقوم بها ومنزلة يشغلها. وهذه المهمات تختلف في جواهرها كما تختلف في قيمتها، فبعضها أخلاقي كصغار الأعمال الخيرية، وبعضها مادي كالعناصر والنباتات المختلفة. ولقد أخذ هذا العدد الأخير يتضاعف وتزداد سلطته حتى طغى أو كاد على الديانة الزرادشتية ولو في البيئات العامية على الأقل حيث عاد بالجماهير إلى عبادة العناصر كما كانت الحال في الديانة القديمة. وقد بعث (ميتهرا) من جديد وأصبحت النار والشمس والقمر والنجوم ملائكة ثم آلهة، واستردت أهميتها الأولى في تلك الأوساط وعاد إلى الوجود من جديد (أهوما) إله الخمر الذي رأيناه في الديانة الأولى كما حدثت خرافات أخرى لم يكن للفرس عهد بها من قبل كذلك العملاق ذي الأرجل الثلاث والذي له أهمية في إدارة العالم. ولكن ينبغي أن نلاحظ أن مازدا هو الذي كان لا يزال الإله الرئيس على جميع هؤلاء، ولم يكن الآخرون إلا آلهة ثانويين أو ملائكة أو أرواحاً.
هؤلاء جميعاً هم أعوان (مازدا) أو هم الحزب الأعلى؛ أما الحزب الأدنى أو أنصار إله الشر فهو يتألف طبعاً من (أهرمان) رئيساً، وقد كان الشعب في أول الأمر يتمثله في ثعبان أو في ذكر الضفدع أو في حيوان رديء مزعج أو في حصان جمح وتوحش ثم استطاع أحد الملوك أن يقبض عليه ويخضعه، ولكن لما تقدم الشعب وارتقت عقليته لم يعد يتمثل