الوالد في حاجة إلى من يعولها، ويكفي أن يتطوع أحدنا للدفاع)
ولما سكت تأمل فيه أخوه شاكا في أمره.
وقد أكثر من الكلام، وبعد أن دار في الغرفة دورتين جلس إلى مكتبه فأخذ كتاباً ينظر فيه كأنه يطالعه.
قد تتابعت في ضواحي المدينة أصوات المدافع وارتفعت الصيحات داخل المدينة.
تذكر فجأة أمراً ما فوضع الكتاب على المكتب ورمق أخاه حزيناً كئيباً يقول: (شانغ سين!)
(مالك يا هونغ سين؟)
قال لأخيه بكل لطف: (اذهب إلى الآنسة (لوس) لعلها هي وأمها في حال سيئة من الذعر)
فأومأ أخوه برأسه أن سمعاً وطاعة.
وبعد خمس دقائق جلجلت أصوات المدافع تتخللها فترات قصار، فقام أخوه يقصد الباب فصافحه قائلاً: (يا أخي!)
وقد خالف في ندائه هذا عادته فإنه كان دائماً يدعو أخاه باسمه فتلاقى بصره ببصر أخيه ثم قال: (إلى اللقاء!)
فنظر إليه أخوه نظرة المحزون المهموم وقال: (ألا تخرج الليلة فتكتب خطاباً إلى السيدة الوالدة؟)
فأشار برأسه أنه سيفعل، وخرج أخوه، وكان ذلك بعد الظهر.
وبعد المغرب أخذت أصوات المدافع تتكاثر وتتعالى في ضواحي المدينة، وارتفعت الصيحات بالويلات؛ ولما كاد الليل ينتصف خفتت أصوات المدافع شيئاً فشيئاً وأخذت تقل، وكان (هونغ سين) يتمشى في غرفته ويظن أن أخاه في منزل الآنسة (لوس) فدعا له بالأمن والسلامة، ثم فتح خزانة الثياب وأخرج منها ثوباً من ثياب الألعاب الرياضية فلبسه، وشد رباط حذائه ثم أقفل باب المنزل وخرج.
وكان القمر وهو في أيام التربيع الثاني ممتقعاً لونه معلقاً في جو الشرق تحيط به غيوم فاحمة كأنها تحاول أن تبتلعه.
وكانت الرصاصات وقنابل المدافع تتطاير هنا وهناك، وأصوات البكاء والعويل تملأ أذنيه.
جعل يمشي في أقرب طريق إلى البوابة الغربية لسور المدينة: ولم يخطُ إلا خطوات قلائل