للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكن هذا الحكم الديمقراطي ليس يصلح إلا بتنظيم دقيق، بل هو إلى النظام أحوج من الحكم الاستبدادي، لأن الحكم الاستبدادي يحمل عبئه فرد واحد وأعوانه أياديه، وهو الرأس المدبر، فطبيعي أن يكون ظلمه وعدله منظماً، أما الحكم الديمقراطي فيحمل عبئه عدد كبير، فإذا لم يؤد كل واجبه أختل البناء، ومثله مثل الآلة ذات الأجزاء المختلفة أو كالساعة ذات القطع المتعددة المتباينة، ولا ينتظم سير الآلة ولا سير الساعة حتى يقوم كل جزء بعمله

وسبب آخر لحاجة الحكم الديمقراطي للنظام دون الحكم الاستبدادي، وهو أن الحكم الاستبدادي يرمي إلى تحقيق مصلحة فرد واحد أو طائفة محصورة، وذلك سهل يسير

أما الحكم الديمقراطي فيرمي إلى مصلحة الشعب جميعه وخاصة الضعفاء، كالفقراء والمرضى والفلاحين والعمال وهؤلاء عددهم في كل أمة كبير، ولا يمكن تحقيق الخير لهم إلا بجهد كبير ونظام دقيق

فإذا لم يتحقق هذا النظام فشل الحكم الديمقراطي، وظن قصار النظر أن العيب يرجع إلى طبيعة الحكم، وهو في الواقع لم يرجع إلا إلى سوء تطبيقه واستعماله. ثم إذا أختل كان نذيراً بعودة الاستبداد، وأرتكن المستبدون وذوو السلطان إلى ما يبدو تحت أعين الأمة من سوء الحكم الديمقراطي وفساده، واتخذوا ذلك ذريعة إلى استرجاع سلطانهم واستعادة استبدادهم، وأعادوا الأمة إلى سيرتها الأولى يسخرونها لمنفعتهم ويستغلونها لصالحهم

فأكسير الحياة للشرق الآن تحري العدالة في الحاكم، وتضحية شهواته، وتنظيم حكمه وحمل كل عبئه، وتنفيذ واجبه في دقة، وإلا كان تحت خطر الفوضى التي تقدم للأسد الرابض حجته وصياحه من جديد بأن الشرق أعطي حريته فلم يحسن استعمالها

أحمد أمين

<<  <  ج:
ص:  >  >>