للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بل تبين فساد رأي أفلاطون وأرسطو وأمثالهما في أن هناك طبقة خاصة يجب أن تَحْكُم، وأنها وحدها الصالحة للحكم، وأن من عداها غير صالح إلا لأن يُحْكُم؛ وتبين أن الحاكم الحق للشعب هو الشعب نفسه، وإنما يركز آراءه في الحكم في أشخاص لأن الناس اعتادوا تجسيد المعاني والرمز إليها بمحسوسات تقريباً لعقولهم وتبسيطاً لأفكارهم، ولا ينجح حاكم ولا مصلح إلا إذا مثل رأي الناس أو على الأقل رأي طائفة صالحة منهم، فلو أتى مصلح بما لا يتهيأ له فريق من الناس لعد مجنوناً، بل إن الشعب أو الطائفة منه هي التي تخلق حاكمها وتخلق مصلحها إذ هو ليس إلا مبلوراً لأفكارهم ومركِّزاً لآرائهم. وليس الحاكم أو المصلح جذر الشجرة ولكن زهرتها، إنما الجذر والساق والأوراق هي الشعب نفسه.

يميل الشرق إلى أن يُحكم حكماً ديمقراطياً، وله الحق في ذلك، لأنه جرب أنواعاً من الحكم الاستبدادي على أنواعه المختلفة فكانت ميتة لمشاعره، عائقة لتقدمه، وكان الحكام المستبدون ينعمون بكل صنوف الترف والنعيم على حساب بؤس الشعب وفقره.

ويميل إلى الديمقراطية لأنها على ما بها من عيوب لا تزال أرقى أنواع الحكم وأبقاه، وحكم الاستبداد إن رضيته بعض الأمم حيناً، أو فرض عليها فرضاً حيناً، أو أرتكن على بعض الظروف حيناً، فليس هو الحكم الصالح للبقاء أبداً

لقد أنهار الاستبداد في مظاهره المختلفة وحلت محله الديمقراطية بأشكالها المختلفة. أنهار استبداد رجال الدين بعد أن سيطروا على الشعوب أزماناً طويلة لقي فيها الناس من عنتهم ما كره إليهم الحياة

وأنهار استبداد الأب بأسرته فلم يعد ذلك الأب الذي لا إرادة في البيت بجانب إرادته، ولا الأب الذي كلمته حكم، وطاعته غنم، وحل محله أب هين لين يأمر حيناً فيطاع، ويؤمر حينا فيطيع

وتغيرت الغايات للسلطات فأصبحت الغاية من الحكومة لا أن تظهر بمظهر الآمر الناهي، ولكن أن تحقق العدالة والحرية للناس حتى للضعفاء؛ وأصبحت الغاية من الأب لا أن ينعم بسلطانه، وإنما الغرض منه ومن الأسرة كلها إيجاد جو صالح لنمو الطفل وتربيته ورقيه. وليس الغرض من المعلم أن ينفذ إرادته بالعصا، وإنما الغرض منه ومن الناظر والمدرسة كلها أن يمسكوا بدل العصا مصباحاً يضيء للتلاميذ حقائق الحياة وسبل الحياة

<<  <  ج:
ص:  >  >>