أما الأمة اليابانية فأنها تعلل الباعث لها على ذلك بأنه هو حبها للتسامح مع الأديان، كما صرح ساستها به مراراً ونطقت بذلك قوانينها. فالحكومة تتصنع التظاهر بذلك والساسة البارزون ورجال الحربية وغيرهم يظهرون ميلهم إليه لبساطة تقاليد هذا الدين ويسره متأثرين بقول فيلسوفهم أوهارا عندما أكد لهم ذلك في خطابه:
ولماذا لم تجب الحكومة مطالب المسلمين في بادئ الأمر؟ قد تساءلت عن ذلك الجرائد اليابانية نفسها فأنكرت أولاً أن تحول الأمة نحو الإسلام بسبب إحساس عام طرأ على أفرادها، وكان الذي حملها على ذلك القول هو توجه تلك الأمة بأجمعها نحو ذلك الدين عند افتتاح مسجد كوبا ودرس القيصر نفسه للقرآن. ثم عللته بعد ذلك بأنه إنما هو نتيجة تأثير الدعاية التي قام بها المسلمون القاطنون فيها، ولكن للتأثير عليهم بذلك يلزم مضي وقت طويل، إذ أن اعتناق دين جديد عند اليابانيين أصعب منه عند الأوربيين، فدخولهم فيه لم يكن بسبب شعور قومي عام ولم يكن كذلك بدافع الاعتقاد الديني الخالص.
إذا فكر المرء قليلاً ونظر إلى مطامع اليابان في بلاد الصين وما حواليها من البلدان الآسيوية التي يقطنها ٢٦٠ مليوناً مسلماً - ويوجد في غرب بلاد الصين ٣٠ مليوناً مسلماً - ثم إلى سياسة المسلمين الذين يدمجون كلمة تعميم الإسلام في كلمة توحيد الآسيويين، وقابل بين هذا وبين محاباة اليابان وتحبيذها لتعاليم محمد صلى الله عليه وسلم ومحاباة زعمائها، وعلاوة على ذلك أن أغلبية المحبذين لها هم من السياسيين البارزين ورجال الحربية والرأسماليين الكبار - لاستنتج معنا أن تلك المحاباة لم يقصد منها إلا تحقيق مطامعهم السياسية وأمانيهم في الإمبراطورية الآسيوية العظمى. ولم يكن اختيارهم للدين الإسلامي لمزية فيه لا توجد في غيره من الأديان، بل إن كل دين عندهم من هذه الوجهة في درجة واحدة، إلا أن الإسلام تميز عن غيره بكثرة المعتنقين؛ واليابان تؤمل بهذا وجود جبهة قوية لها أمام الأشتراكية، ورابطة متينة لبناء الوحدة المزمع إنشاؤها.
أما كون الحكومة في السنتين الأوليين لم توفق إلى تلك النظرية - أو أنها لم ترد الاعتراف بها - فذاك بحث آخر؛ ويحتمل أن يكون لزعماء المسلمين يد في حملها على الاعتراف بنظرية نشر الدين الإسلامي لترويج تجارتها في تركيا وفي أواسط آسيا. وقد وفقت إلى ذلك وقدرت على مزاحمة الصادرات الأوربية ونالت إقبالاً كبيراً من البلاد الإسلامية كبلاد