وإذا كتب لأحمد بن يوسف أن تدرس حياته وأدبه دراسة أدبية، وتهيأ لبعض المتفرغين من الباحثين أن يجمعوا طائفة من كلامه، وهو قليل في المطبوعات التي بين الأيدي، ولا يبعد أن يعثر له على أشياء في بعض المخطوطات - يسهل على نقاد الأدب أن يسلكوه مع سمّيه أحمد بن يوسف الكاتب وزير المأمون في سلك واحد، وربما يثبت لهم أن أحمد بن يوسف المصري أوسع علماً من سميه البغدادي بما أصابه من الحظ العظيم من الثقافة التي تنم عليها أسماء مصنفاته فقط. وكيف لا تتأفق شهرة الكاتب البغدادي واتصاله كان بأعظم خليفة، وكيف لا تضؤل شهرة الكاتب المصري وصلته كانت ببيت يعد في عرف السياسة يومئذ خارجاً على الخلافة؟ وبغداد في ذلك العصر يحمل إليها كل جميل ويعد ما يحمل منها جد جميل
إن كتاب (المكافأة) بأسلوبه ورشاقة بلاغته من أبلغ ما كتب كتاب العرب في القصص، يشبه أسلوب أبن المقفع فهو من غراره في السلاسة وعدم الكلفة. وقد نقل فيه شيئاً من القصص عن والده وعن رجال البلاط الطولوني وغيرهم وعن أبن المقفع وقال إنه (مما نقله أبن المقفع عن الفرس وتعالمه العرب)
روي لي أحد أصدقائي أن حافظ إبراهيم (رحمه الله) أستظهر هذا الكتاب في سنة نشره وقال لي الأستاذ عبد العزيز البشري إنه قرأه ثلاثين مرة وما أرتوي من ديباجته. لا جرم إن بلاغة أحمد بن يوسف من النوع الذي لو راهنت على أنه ليس في وسع جهابذة النقد أن يسقطوا لفظة من جملته لربحت الرهن، وصدقك الأدباء في قولك بتفرده في أسلوبه، وأنه بلا جدال المفرد العَلَم بين من أنبتتهم مصر من الكتاب في الدهر الغابر
وبعد فمن عجيب ما فهمناه من حياة أحمد بن يوسف أنه كان يحاذر محمد بن سليمان لما دخل مصر في سنة ٢٩٢ للقضاء على الدولة الطولونية، وكان يستدعي (الواحد بعد الواحد من أسباب الطولونية ويستصفي ماله بالسوط وعظيم الإخافة). وكان الطولونيون يعرفون أن هواه مع بني العباس بالطبيعة ويراقبون حركاته، وما ندري وهو الذي جمع سيرة دولتهم ورجالها إن كانوا راضين عما كتب أم غير راضين؟ لأن حرية القول ظاهرة في كلامه من كتاب المكافأة، ولا شك أن سائر ما دونه من تاريخ القوم من هذا النمط. مات