يدرس ليكون عالماً في الأدب، أو راوياً في التاريخ، أو أستاذاً في فرع من فروع المعروفة؛ إنما كان يدرس ليتزوّد للشعر زادَه، وليبلغ من العلم مبلغاً يعينه على أن يقول وينشئ. فلما أنشئت الجامعة المصرية، تطلع إلى ما يقال هناك في دروس الأدب، لعله يجد فيه الجديد الذي يتشوّف إليه ويطلبه؛ فماذا وجد هناك؟
لقد مضى على إنشاء الجامعة سنتان وما استحدثت شيئاً في الأدب يفتقر إليه الرافعي، وما تحدث أساتذتها حديثاً في الأدب لا يعرفه الرافعي. ماذا؟ أهذا كل ما هناك؟ وأيقن الرافعي من يومئذ أنه شيء، فلبث يتربص. . .
وطال انتظار الرافعي وما استطاعت الجامعة أن تثبت له أن فيها دروساً للأدب، وما استطاع الرافعي أن يقنع نفسه بأن في الجامعة أساتذة يدرسون الأدب، فكتب مقالاً في (الجريدة) يحمل على الجامعة، وعلى أساتذة الجامعة، وعلى منج الأدب في الجامعة. ورنّ المقال رنينه وأحدث أثره، فاجتمعت اللجنة الفنية للجامعة، ونشرت دعوة على الأدباء إلى تأليف كتاب في (أدبيات اللغة العربية) جعلت جائزة الفائز فيه مائة جنيه، وضربت أجلاً لتقديمه إليها سبعة أشهر.
وقرأ الرافعي دعوة الجامعة، فما رضى ولا هدأت نفسه؛ لقد كان أمله يومئذ أكبر من ذاك؛ إن مائة جنيه شيء مغْرٍ لمثل الرافعي الأديب الناشيء، الموظف الصغير، الزوج العائل، أبي وهيبة وسامي ومحمد؛ ولكن. . . ولكنه يطمع في أكثر من مائة جنيه، يطمع في أن يكون هو أستاذ الأدب بالجامعة. (إنهم على الأغلب سيعهدون بتدريس الكتاب لغير مؤلفه، فيكون الحاضر لديهم كالغائب عنهم، ولا فضل لدارهم إلا أنها مصدر التلقين؛ فإذا طبع الكتاب صارت كل مكتبة في حكم الجامعة، لأن العلم هو الكتاب لا الذي يلقيه، وإلا فما بالهم لا يعهدون بالتأليف لمن سيعهدون إليه بالتدريس؟ وهل يقتصرون على أن يكون من كفاية الأستاذ القدرة على إلقاء درسه دون القدرة على استنباط الدرس واستجماع مادته حتى لا يزيد على أن يكون هو بين تلامذته التلميذ الأكبر. . .؟
لِمَ تنفض إدارة الجامعة يدها من قوم هم رؤساء الصناعة، وظهور مناصبها العالية، وألسنة الحكم فيها؛ ثم تلتمس من ضعف الأفراد ما لم تؤمله في قوة الجماعة وهي تعلم أن الحمل الذي تتوزعه الأكف يهون على الرقاب؟)