وما سبعة أشهر لمن يريد أن يؤلف في تاريخ آداب العرب؟ إنه لفن لم يتناوله أحد من قبل، وإن مراجع البحث لكثيرة وإن من وراء ذلك جهداً لا يطيقه إنسان.
وكتب الرافعي مقاله الثاني في (الجريدة) ينعت الجامعة ولجنة الجامعة، ويتأبى على الدعوة التي دعت، ويقرر أن الذين دعوا الدعوة إلى وضع الكتاب وجعلوا لذلك العمل إلى فِصاله سبعة أشهر، إنما مست بهم الحاجة إلى كتاب وأعوزهم مؤلفه فالتمسوه بتلك الدعوة يفتشون عنه في ضوء الجائزة. . . . ومضى الرافعي يتجنى ويتدلل، وعادت الجامعة تفكر في الأمر.
وأعادت نشر المسابقة لتأليف الكتاب، وزادت المدة إلى سنتين، والجائزة إلى مائتين، وتعهدت بطبع الكتاب المختار.
ووجد الرافعي ما يشغله، فعاد إلى نفسه، وأغلق دار كتبه عليه. . .
تاريخ آداب العرب
إن كثيراً من الأدباء لا يرضيهم أن يعترفوا للرافعي بيد على العربية أو يروا له صنيعاً في الأدب يستحق الخلود، إلا حين يذكرون كتابه (تاريخ آداب العرب)، وإنه لكتاب حقيق بأن يذكر فيذيع فضل الرافعي على الأدب والأدباء.
أنقطع الرافعي لتأليف كتابه من منتصف سنة ١٩٠٩، إلى آخر سنة ١٩١٠، وفي سنة ١٩١١ أتم طبع الكتاب على نفقته قبل أن يحل الأجل الذي عينته الجامعة.
لم يكن الرافعي طامعاً في جائزة الجامعة. ولذلك لم يتقدم إليها به قبل طبعه، ترفعا عن قبول الحكم فيه لجماعة ليس منهم من هو أبصرُ منه بالمحكوم فيه.
كان أسبق المؤلفات ظهوراً إلى دعوة الجامعة، الجزء الأول من كتاب العلامة جورج زيدان، ثم الجزء الأول من تاريخ آداب العرب. (سبقه ذاك بشهر أو شهرين سبقاً مطبعياً)
وكانت مقالات الرافعي في (الجريدة)، وكتابه (تاريخ آداب العرب) من بعد، هما السبب في تدريس الآداب العربية وتاريخها في الجامعة المصرية، وهما السبب كذلك في وضع ما وضع من الكتب في هذا العلم.
وأعان الرافعي على جمع ما جمع من وسائل البحث لكتابه مكتبات ثلاث كلها حافل بالنادر من كتب العربية، مطبوعها ومخطوطها، هي: مكتبة الرافعي، ومكتبة الجامع الأحمدي،