للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أما رأيه في المبادئ الأولى فهو يتلخص في أن للكون مبدأين الخير والشر، وهما أزليان أبديان متساويان في كل شيء. ولا شك أنه في هذه النقطة قد تأثر بزرادشت من ناحية وبديانة (الثانوية) المغالية التي نشأت من مذهب زرادشت من ناحية ثانية. وإليك ما يقوله الشهرستاني عن هذا المذهب: (حكي محمد بن هارون المعروف بأبي عيسى الوراق، وكان في الأصل مجوسياً عارفاً بمذهب القوم، أن الحكيم ماني زعم أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين، أحدهما نور والآخر ظلمة، وأنهما أزليان لم يزالا ولن يزالا، وأنكروا وجود شيء لا من أصل قديم وزعم أنهما لم يزالا قوتين، حساسين، سميعين، بصيرين، وهما مع ذلك في النفس والصورة والفعل والتدبير متضادان، وفي الخير متحاذيان تحاذي الشخص والظل). إلى أن يقول: (ثم اختلفت المانوية في المزاج وسببه والخلاص وسببه فقال بعضهم: إن النور والظلام امتزجا بالخبط والاتفاق لا بالمقصد والاختيار؛ وقال أكثرهم: إن سبب المزاج أن أبدان الظلمة تشاغلت عن روحها بعض التشاغل فنظرت إلى الروح فرأت النور فبغت الأبدان على ممازجة النور فأجابتها لإسراعها إلى الشر، فلما رأى ذلك ملك النور وجه إليها ملكاً من ملائكته في خمسة أجزاء من أجناسها الخمسة فاختلطت الخمسة النورية بالخمسة الظلامية فخالط الدخان نسيم، وإنما الحياة والروح في هذا العالم من النسيم، والهلاك والآفات من الدخان، وخالط الحريق النار، والنور الظلمة، والسموم الريح، والضباب الماء، فما في العالم من منفعة وخير وبركة فمن أجناس النور، وما فيه من مضرة وفساد وشر فمن أجناس الظلمة فلما رأى ملك النور هذا الامتزاج أمر ملكاً من ملائكته فخلق هذا العالم على هذه الهيئة، لتخلص أجناس النور من أجناس الظلمة).

الميتافيزيكا المانوية

يرى هذا المذهب أن الإنسان الأول مخلوق للنور أو للشمس الذي هو (أهورا مازدا) وكان هذا الإنسان في أول الأمر نوراً محضاً وأن حكمة خلقه إياه إنما هي الجهاد ضد الظلام، ولكن هذا الخصم العنيف لم يلبث أن أنتصر على الإنسان وكبله بالأصفاد وقاده إلى سجنه الحالك ولكن قوة إله الخير عملت على تخليصه من هذا السجن فنجحت بعض الشيء، لأن إله الشر كان قد تمكن من حبس جسمه النوراني في هذا الغمد الكثيف المكون من المادة المظلمة. وإذاً، فالمادة أو الجسم الإنساني أو (الماكروسكوم) و (الميكروسكوم) كما كانوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>