بأنها هي وحدها الوسيلة إلى إبادة الشر، إذ الحقد الذي يأكل قلوب بني الإنسان، والحرب التي تمزق أشلاء أحد الأخوين بيد الآخر لا مصدر لهما إلا الأموال والنساء، فإذا ألغيت الملكية وأبيد الزواج وأصبح المال والمرأة مباحين لجميع الأفراد بلا قيد ولا شرط طهرت القلوب من الحقد إلى الأبد ووضعت الحرب أوزارها إلى نهاية الوجود، وهو كما يبغي أن تباح الأموال والنساء، يريد كذلك ألا يختص أحد بطقوس دينية دون الآخرين حتى تزول جميع الفروق والاختصاصات التي هي منشأ كل بلاد في هذا الكون.
سقوط الديانات الفارسية
لما فتح (الإسكندر المقدوني) بلاد فارس وأنتشر الإغريق في أنحاء البلاد وأحرقوا الكتب المقدسة والصحف الدينية، تبلبلت العقول والأفكار والعقائد في تلك الأصقاع، وصادفت هذا الاضطراب ظروف أخرى لا تقل أهمية عن الأولى، وهي اجتماع ذلك الخليط العجيب من الفرس والمصريين واليونان واليهود في مدينة الإسكندرية كما سنشير إلى ذلك عند الحديث عن الأفلاطونية الحديثة.
أجتمع هذان العاملان القويان فحدث من اجتماعهما مزيج ديني غريب غمر الشرق الأدنى من أقصاه إلى أقصاه. ويعلق الأستاذ (سورا) على هذا بقوله: (إن هذا التخمر الديني المتباين العناصر هو الذي قذف بالمسيحية إلى حيز الوجود كما تقذف الأنبذة بالزَّبدِ إلى خارج أوانيها).
هذا في فلسطين ومصر، أما في بلاد بارس كانت سائدة فيها الديانة الفارسية (الزرادشتية) بعد أن عبثت بها أيدي الأهواء والأغراض، وبدلت فيها وزادت عليها مطامع رجال الدين وشهواتهم، وقد ظلت هذه السيادة طول حكم الدولة الساسانية ولم تحْنِ الرأس إلا في القرن السابع بعد المسيح حين هاجمها الإسلام وهو في عنفوان شبابه، فذابت أمام سطوته ذوبان السكر في المياه (على حد تعبير أحد المؤلفين الفرنسيين) وإن كان البعض الآخر من الباحثين يجزم بأن الديانة (الزرادشتية) لم تتلاش تماماً أمام الإسلام، وإنما تركت آثاراً تذكر في بعض نواحيه، إذ ليس بعض الفرق الإسلامية إلا لوناً من ألوان الديانة الفارسية، بل ليس تغني عمر الخيام بالخمر وتقديس بشار بن برد للنار وزندقة أبن المقفع ومروق الجاحظ في بعض آرائه إلا من بقايا الديانات الفارسية.