الإسلام في تهذيب النفوس، وشرح الفضائل والرذائل، وعناية الإسلام بشأن المرأة، والبدع والعادات المخالفة للدين
حول أرزة لامرتين
أخي السيد خليل عطا الله:
لست أدري طيف يجب أن أقول: ويل للتاريخ من الشعر أو ويل للشعر من التاريخ. وإنما أحب أن تعلم أنني يوم زرت الأرز، منذ شهر ونيف، ونظمت فيه قصيدتي، لم أكن عالماً ولا مؤرخاً، ولعلي لن أكون أحدهما أبداً، وإنما أنا شاعر تجولت وإخواناً لي في ظلال الأرز ساعة من زمان صحبة دليل، واستمعت مأخوذاً إلى ما يقصه علينا هذا الدليل من كريات شعرية عذبة، وأنعمت النظر فيمت تركته هذه الذكريات من آثار محسوسة باقية، فوجدتني أطرب لهذا الفيض الشعري الساحر، فأصوغ طربي شعراً كفاني صدقه شرفاً ومجداً. ولا أعرف في الناس يا أخي من هم أحق بالرثاء من هؤلاء العلماء والمؤرخين الذين يستحقون كل إجلال وإعظام، والذين يفنون زهرة صباهم، وعنفوان شبابهم، وجلد كهولتهم، وراحة شيخوختهم، بين أكوام الأوراق ورفوف الكتب، ليظهروا حقاً أو ليزهقوا باطلاً؛ أما أنا فليس أحب إلى نفسي من أن تكون الحياة كلها أسطورة! ولعلها كذلك!. . .
أقول هذا لتوقن أنه لا ذنب لي في هذا الخطأ التاريخي الذي ارتكبه، وإنما هو ذنب ذلك الدليل (الصادق) الذب طاف بي أرجاء الغابة يدلني ويعلمني ويهديني السبيل؛ وذنب تلك اللوحة الرخامية المنصوبة على أرزة لامرتين، تلك اللوحة التي تؤكد زيارة الشاعر الكبير للأرز خريف عام ١٨٣٢، والتي رأيتها ولا شك في الصورة التي نشرتها (الرسالة) العزيزة. وإني إن شكرتك على ملاحظتك التاريخية القيمة فكم أحب أن أوجها بدوري إلى أولئك الإخوان في بلدة (بشرى) الذي نصبوا تلك اللوحة منذ سنوات على الشجرة المذكورة وفي أعلى النقش تخليداً لذكرى هذه الزيارة بمناسبة مرور مائة عام عليها، دون أن يشيروا بكلمة إلى حقيقة هذه الزيارة أو حقيقة هذا النقش؛ وكم أود أيضاً - رغم كل هذا - أن يتمسك أولئك الأخوان بمعتقدهم، وأن يؤمنوا بزيارة الشاعر الكبير وأبنته لأرزهم، ونقشهما أسميهما على إحدى شجراته، ولو كتب هنري بوردو ألف كتاب، لا كتاباً واحداً في دحض