أخشى من بعض أساتذة الجامعة في كلية العلوم أن يفطن إذا أطلت الوصف فيعرف سر هذه الآلة من ثنايا قولي بوساطة بعض طرقهم العلمية الماكرةمن الارثماطيقي والماتيماطيقي والفيزنيقي. او غير ذلك من العلوم التي لا علم لي بها. فانهم لو فعلوا ذلك لأوقعوني في ورطة، إذا أكون قد خدعت عن سر لا املكه ولا يحمل بي التصرف فيه. وقد كنت إذا شعرت بالسام يدب إلى نفسي انهض إلى هذا إليه فاجلس فيها وأدير العجلة الوسطى نحو اليمين فأذهب في العصور الماضية لأني شديد الحنين إليها لأنني لست ممن يرتاحون إلى الوقت الحاضر، ولا يرون في الحال المائلة حولنا شيئاً ترتاح إليه النفس أو يطمئن إليه القلوب فالناس فيه: شيوخهم فيهم وهن، وكهولهم فيهم حرص، وشبانهم فيهم طراوة ورخاوة. ولا فائدة في أن أعيد إلى القارئ مناظر تلك العصور الماضية فهي مائلة مصورة في كتب التاريخ إذا كانت غير مائلة مع الأهواء. وكنت أجد ما أحببت من السرور بالتجول في تلك العصور، إذ كنت اشبع كبريائي بما أراه من مجد الآباء والأجداد، وكنت إذا رأيت منظراً يؤلمني في عصر من العصور أسرعت بإدارة العجلة التي أمامي فانتقل مسرعاً حتى ابصر مناظر مجيدة في عصر آخر فأوقف العجلة وانزل من الآلة وأجول في أنحاء ذلك العصر حتى امتلئ سروراً، ثم ارجع وأدير العجلة فأعود إلى عصري ومنزلي خوف أن يقلق أهلي إذا أطلت عنهم غيبتي. وقد وقعت عيني مرة في أثناءعودتي إلى عصري على منظر استرعى انتباهي فأوقفت العجلة مسرعا ثم نزلت من الآلة لأشاهده. فقد رأيت رجلا من عامة أهل الريف واقفاً في وسط ساحة قريبة من (ميدان الأوبرا) وقد اخذ بتلا بية رجل على رأسه قبعة قذرة وهو ضخم الجسم ولكن وجهة بشع المنظر، وله عينان كأنهما عينا ذئب مفترس، وله أظافر طويلة ليست كأظافر بني الإنسان بل هي قريبة إلى أظافر النسور مقصوصة طويلة مدببة، وقد وقف حول الرجلين جماعة من أمم مختلفة، ولكن أكثرهم من أولاد مصر القاهرة ممن يسهل اجتماعهم حول أية ضجة تثور في طريق من الطرق، وهم لا يقصدون بذلك إلا إشباع رغبة الاستطلاع، ولا فرق بيني وبينهم وأنا ممتلئ مثلهم رغبة في الاستطلاع، ولا فرق بيني وبينهم غلا إنني لم اكن عند ذلك مستعدا للدعابة ولا للثرثرة. وبعد هنيهة علمت ان ذلك المبرنط دائن لذلك الريفي وانه قد استولى على كل ماله في الريف حتى ألجأت إلى أن يهرب إلى القاهرة لاجئا إلى