بحصوله على شيء من دينه، وكان أعلاهم صوتاً رجال مبرنطون مثله يبلغون العشرة عداً فعلمت من نظرة الرجل إنه يرى نفسه عاجزاً ولو مساعدتي على استرداد ثوبي ورأيت دمعة تسقط من عينيه وجثى على ركبتيه حياء من تعريض جسمه الضخم المشعر للأنظار، وكان فوق ثيابه معطف قديم كنت أحتاطه بلبسه في رحلات فخلعته صامتاً وطرحته فوق منكبيه فكساه إلى ملئت ركبتيه، فنظر إلي صامتاً نظرة كدت أبكي من وقعيها عندما لاقت نظري وتركته مسرعاً وعدت إلى اللآله فأسرعت بها عائداً إلى العصور الماضية أطلب التسلية في مناظرها. حتى إذا ما سرى عندي ما بي من الشجن أدرت العجلة وعدت مسرعاً إلى عصري ودخلت منزلي وكان أهلي قد قلقوا بطول غيبتي، ومنذ ذلك اليوم عاودتني كآبة كانت تظهر في حديثي وتدل عليها ملامح وجهي حتى لقد لاحظها بعض أصدقائي وكان فيهم جماعة من الشبان أولي الهمة فجعلوا يسألونني عن علة ما بي فذكرت لهم قصتي في ذلك اليوم الذي رأيت فيه ما رأيت من المبرنط والريفي. وذكرت لهم في قصتي حديث الالة التي أتجول بها في العصور الماضية طالباً التسلية من هموم الوقت الحاضر. فقال لي أحدهم وأسمه توفيق:(ولكن العجيب أنك لم تفكر يوما في أن ندبر تلك العجلة نحو اليسار) ولم أنتبه قبل الساعة إلى أن عجلة الآلة يمكن أن تدار إلى اليسار فسيكون التجول في عصور المستقبل بدل أن يكون في عصور الماضي. فقلت له وبي شيء من الارتباك (أنني لم أفطن إلى ذلك إلا ألان) فأجابني ذلك الصديق الشاب (أنني أعتقد أن السلوة لا تكون أبدا في العودة إلى الماضي. فان الغنى إذا أفتقر لا يسليه عن فقره أنه كان يوما ما واسع النعمة رافلاً في الغنى بل إن ذلك أدعى إلى أسفه وأسخن لعينه. ولكن الذي يسلي الفقير أن يتطلع إلى المستقبل ليرى أنه سيكون بعد ألمه في راحة وبعد إملاقه في غنى. وكذلك الحال في السجين، فأنه لا يهدأ قلبه من ذكرى ماضي حريته، بل قلبه يهدأ وألمه يضمحل إذا فكر في قرب يوم الانطلاق) والحق أنني لم أتعلم من أحد مثل هذه الحكمة الصادرة من شاب غير مجرب. وقد شعرت بالخجل إذ رأيت أحد أبنائي في السن يعلمني حكمة غربت عن فكري، ولكني أحمد الله على أني في هذه الأمور أنزل عند الحق ولا تأخذني العزة بالإثم. فقلت له (إني شاكر لك تنبهي إلى هذا يا صديقي وسوف أقص عليك نبأ ما أرى) وما هي إلا ساعة حتى كنت جالساً على المقعد في تلك الآلة