فصاح بي وهو يضحك:(إذا؟ تقول إذا؟ إن حقيقتها ضائعة يا صاحبي من قبل أن تفطن إلى احتمال ضياعها! تعال. . . تعال)
قلت:(إلى أين؟)
قال:(وما سؤالك هذه؟ أتكره أن تريح رأسك المتعب أو أن تنظر إلى صورة لجانب من نفسك الخفية المضمرة؟)
قلت:(ماذا تعني؟)
قال:(أعني أن النفس كتاب فيه ورق كثير. . . كثير جداً. . . ولكنه مطوي. . . يحتاج إلى يد تفتحه وتقلب صفحاته؛ هذه الأيدي هي المناسبات والظروف. وكثير من الناس تظل كتب نفوسهم مطوية لأن حياتهم لا تتيح لهم أسباباً تدعو إلى فتح الكتاب والنظر إلى ما فيه. . . وقد تكون نفيسة جداً، ولكنها تبقى مغلفة مجلدة، لأن حياتهم تتدفق بانتظام في مجرى مألوف مثلاً، لا يحوج إلى الرجوع إلى الكتاب والاستمداد من وحيه والاسترشاد بما فيه. . . ملايين وملايين من الخلق هكذا، وتراهم فترى البساطة والوضوح والجلاء. . . لاشيء يبدو خفياً أو معقداً. . . ولكن من يدري كيف يكونون لو أن الكتاب فتح مرة؟ وماذا ترى يبقى حينئذٍ من البساطة والوضوح؟ تعال، تعال).
قلت:(هل لي أن أعرف أي يد ستفتح لي اليوم كتابي وتقرئني بعض ما فيه؟)
قال:(فتاة رشيقة ظريفة تنسيك الدنيا والسعي والكدح وراء الرزق).
قلت:(ومعنا رابع أو رابعة؟)
قال:(رابع: أخوها)
فهممت بسؤال ولكنه زجرني عنه، وقال:(اركب اركب)
وبلغنا البيت فأطلق النفير فأطل الذي هو (أخوها) وصاح: (حالاً. حالاً)
وخرجنا إلى روضة على النيل وكانت جلسة ظريفة وممتعة، نعمنا فيها بالضحك والحديث وأنس المجلس ثم رجعنا، فسألني لما صرنا وحدنا:(ما رأيك؟)