مصر أكثر من عامين، ويوجهها جميعاً إلى هذا الأمير الذي يهدي إليه كتابه، ويستهلها بوصف جامع لجغرافية مصر، ثم وصف بديع لمدينة الإسكندرية وآثارها الرومانية؛ ويستعرض بعد ذلك حوادث الفتح العربي، ودخول الإسكندرية في ظل الحكم الإسلامي، ويعطف على قصة مكتبة البطالسة الشهيرة، وينقل خرافة إحراقها بأمر عمر عن بعض الروايات العربية. ويبدو مما يكتب سافاري أن الإسكندرية كانت في أواخر القرن الثامن عشر لا تزال تحتفظ بقسط من عظمتها القديمة وتجارتها الزاخرة برغم الأحداث الكثيرة التي مرت بها. وكان مما أثار اهتمام الرحالة بنوع خاص منظر عمود السواري وما يحيط به من الأسرار المغلقة، والمسلات التي كانت تسمى يومئذٍ (إبرة كيلوباترة) والمقابر الرومانية، أو كما يسميها مدينة الأموات.
ولم يفت سافاري أن يلاحظ آثار الفتح العثماني المخربة؛ فهو قد درس تاريخ مصر الزاهر في عهد الدولة الإسلامية، واستطاع أن يقدر مما شاهده يومئذٍ من أحوال مصر تلك النتائج المحزنة التي انتهت إليها بعد قرنين ونصف قرن من حكم غشوم عاسف جاهل؛ وهو يقول لنا بحق إن الفتح التركي كان خاتمة لمجد مصر وإن حكم الباشوات قضى على العلوم والآداب، وخرب التجارة والصناعة والزراعة، وأسبغ حجاباً من العفاء الشامل على كل ما كان لمصر الإسلامية من عظمة ورخاء.
ثم ينتقل سافاري من الإسكندرية إلى رشيد، ويقضي بها ردحاً من الزمن، ويصف لنا رشيد وأهلها وأحوالها الاقتصادية والاجتماعية في عدة رسائل شائقة؛ ويقول لنا إن الحياة فيها ساحرة مغرية، وإن لأهلها أزياء خاصة، وإنهم يقصون الشعر ويرسلون اللحى؛ ثم يقصد بعد ذلك إلى القاهرة في مركب شراعي، ويخترق فرع رشيد ماراً ببعض القرى الشهيرة يومئذٍ مثل برمبال ومحلة أمير، ويصف لنا هذه الرحلة البطيئة الشائقة، ويصف لنا بالأخص منظر القرويات على الشاطئ، وكيف يهرعن إلى النهر لأخذ الماء وغسل الثياب والاستحمام أحياناً، وكيف شهد كثيرات منهن يسبحن في النهر نحو المركب وهن يصحن:(يا سيدي هات ميدي) ويقول لنا في لغة شعرية: إنهن يسبحن في كثير من الظرف، وإنهن يتمتعن بأجسام رشيقة ساحرة، وبشرة سمراء بديعة.
وفي هذه المواطن وأمثالها تبدو براعة سافاري الوصفية، وتبدو قوة بيانه. والواقع أن