للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأربعين.

كان سافاري إذاً رحالة من طراز خاص، أعدته مواهبه ومعارفه للقيام بدراسات حسنة في بلاد المشرق؛ فقد درس اللغة العربية، وعرف تاريخ المشرق، وعرف كثيراً عن الإسلام والشريعة الإسلامية؛ ومن ثم كانت رسائله عن مصر تمتاز بطابع من الدقة لا نجده في كثير من الكتب والدراسات المماثلة، وهو يقدم إلينا هذه الرسائل تحت عنوان (رسائل عن مصر) ' ويصف لنا محتوياتها فيما يأتي: (بها وصف لخلال أهل مصر القديمة والحديثة ووصف لنظم الدولة، وأحوال التجارة والزراعة، وغزو القديس لويس لدمياط منقولاً عن جوانفيل والروايات العربية، ومعها خرائط جغرافية). ويهدي سافاري كتابه إلى (صاحب السمو أخي الملك. . لما أسبغه عليه من مؤازرة مكنته من نشر رسائله، وإنه لشرف عظيم أن يتوجها باسم مولاه. .) ويوجه رسائله إلى هذا الأمير أخي الملك؛ وقد كان ملك فرنسا يومئذٍ هو لويس السادس عشر وأخوه الدوق دورليان. ويبدو مما كتبه سافاري في رسالته الأولى أن الأمير المشار إليه هو الذي نصحه عند سفره أن يدرس أحوال المجتمعات التي اعتزم زيارتها وخلالها وعاداتها ولغاتها.

وقد كان لآثار مصر الفرعونية وذكرياتها القديمة في نفس سافاري أعظم الأثر، وهو يعرب لنا في مقدمته عن عظيم إعجابه بذلك التراث الباهر، ويقول لنا: (إن من يرى الآثار التي تحتفظ بها مصر، يستطيع أن يتصور أي شعب هذا الذي تحدت صروحه أحداث الزمن. فهو لم يكن يعمل إلا للخلود؛ وهو الذي أمد هوميروس وهيرودوت وأفلاطون بكنوز معارفهم التي أسبغوها على بلادهم؛ وإنه لمن الأسف أن العلم لم يستطع بعدُ أن يكشف عن أسرار النفوس الفرعونية (الهيروغليفية) التي تغص بها هذه البلاد الغنية، فمعرفة هذه الأسرار تلقي ضياء على التاريخ القديم، وتبدد الظلمات التي تكتنف عصور التاريخ الأولى) وقد تحققت أمنية سافاري بعد ذلك بقليل، إذ اكتشف حجر رشيد ووقف العلم على أسرار اللغة الفرعونية، وبدأت البحوث الأثرية بين الأطلال والآثار الفرعونية تكشف تباعاً منذ أوائل القرن التاسع عشر عن روعة هذه المدنية الفرعونية الباهرة التي ما زالت هياكلها وآثارها العظيمة، مدى العصور مثال الإعجاب والإجلال والتقدير.

ويبدأ سافاري رسائله عن مصر من الإسكندرية في ٢٤ يوليه سنة ١٧٧٧ بعد أن مكث في

<<  <  ج:
ص:  >  >>