للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الكلمة الكبيرة المعزِّية: (ما أَشهَدتُهمْ خَلقَ السموات والأرض ولاَ خَلْقَ أنفُسِهم)

الركب سائر بانسجام ونظام. . . وهذا هو موسيقاه التي تستحثه وتنسيه وعثَاء السفر. . .

ومن جَمِح وحاد عن طريق الركب ضل واحترق ضلالَ النيازك والشهب واحتراقها. . .

كل شيء قانعٌ بالنظر إلى عصا القهر المرفوعة عليه أبداً، إلا هذه الجمجمة. .! فهي تحاول جهدها أن ترى اليد القابضة على العصا. . . ومن هنا تعبت من النظر وزاغ منها البصر وتراجع حتى لم تَعدْ ترى العصا إلا في يدها هي المصنوعة من الطين. .! فعبَدَت نفسها وسجدت لها. .!

ألا يا عايد البطولة الإنسانية وفاديها ومالئ كئوسها من دمه ومحرق حبة قلبه بخوراً لها. .! ليس هذا موقع العبادة من قلب الإنسان والفكر المدله من رأسه. . . وإنما هذه العصا المرفوعة أبداً هي مكان السجود. . . فارفع جبهتك كثيراً كثيرا لتسجد عليها فوق. .!

أنظر إليها وحدها واجمد كما جمد لها قلب الجبل. . . واخفق كما خفق لها جوف البحر. . . واعصف كما عصفت لها جوانح الريح. . . واصفر كما اصفر منها وجه الصحراء. . . والتهب كما التهب بها وجه الشمس. . . وسر كما سار أمامها الركب المسوق. .!

أنظر إليها دائماً فهي تشير إلى الطريق. . . فإذا عميت عنها فهي شعلة تحرق البصر. . . وسر في طوعها دائماً فهي حماية وسلاح. . . فإذا شردت كارهاً فهي صوت وصاعقة. .!

قال لي ضباب مبهم في نفسي: لم تحوم حول اللجة ولا تضرب في أعماقها؟

قلت: أنا عاجز قاصر ضئيل محدود. . . فليس لي يدان باقتحام عالم القدرة والاستطالة والجلالة واللانهائية!

قال: لقد أتيت بشيء مما في اللجة وأنت لما تزل على الساحل. . .

قلت: كذلك الذي يأتي به الطير البحري المتربص على الساحل: سمكة ميتة طافية قذف بها جوف البحر. . . أو صغيرة خفيفة مبذولة لأنها ليست من الرجاحة بحيث تختفي في عالم العمق والاحتجاب. . .

قال: لقد أفرغت نفسك من كل شيء وهيأتها لصداقة الطبيعة وأفهمتها أن تتصل بها اتصال بُنُوَّة بأمومة؛ فلا تفزع من هولها وقسوتها ولا تجفُل من غموضها وإبهامها، ولا تشمئز من وجوه القبح فيها، ولا تجمُد أمام وجوه الجمال بها، ولا تغفل عن الدقيق، ولا تقصر عن

<<  <  ج:
ص:  >  >>