وقلت لها: ربما تستطيعين الوصول في خطفة من خطفاتك إلى المنطقة الثابتة التي لا تتغير. . . فإن كان ذلك فاحذري أن تتوغلي في متاهاتها! فربما لا ترجعين إلى ثوبك الأرضي ثابتة فيترك في الأرض معذباً مَجْفوًّا لا يفهمه الناس ولا يرحمون. . . فاحذري!
وقلت لها: التراب عنصر كثيف ثقيل يزيد (ثقله النوعي) كلما بعد عن نطاق الأرض، ولو كان نضرة خد أو حرير ورد، أو عبير زهر، أو نغم وتر! فخففي رحلك منه حتى تسرعي. . .
وقلت لها: لا تنسي أن تلقي بنظرة منك على الذَّرَّة التي أنت منها. . . وحاولي أن تتبيني مكان هذا الذي يقول فيها: أنا إله! سترينه قزماً يدب ممسوخ القوام. . . وقد كان يستطيع أن يتطاول ببعض ما فيه لو عقل وأراد ورأى عصا القهر التي تدفع عجلة الفلك. . .
قلت لها كل ذلك فقالت: يا هذا الذي يصنع الألفاظ ويحاول خديعتي بها.! يا من
يُشَمِّر للُّجِّ عن ساقه ... ويغمره الموج في الساحل!
عشْ كهذا الطير الساحلي مكتفياً بالنظر إلى اللجة الرجراجة الهائلة، قانعاً بما تقذفه إليه من النفايات، عالماً بأنه مخلوق مُعَدٌّ للساحل وحده، فهو دائماً ينكتُ بمنقاره في الرمل والقواقع وغثاء البحر. . .
وهو يعلم أن في جوف اللجة سمكاً كثيراً صغيراً وكبيراً يشبع جوعه الذي يحسه في دوام. . . ولكنه يعلم كذلك أنه لو تقدم خطوة نحو اللجة لابتلعته حقيقة من حقائقها وغاب فيها قبل أن يبتلع إحداها وتغيب فيه. . . عش هكذا دائراً على نفسك في محيطك الضيق ما دام على عينيك الغطاء. . .
وابحث في لجة نفسك عن الأشياء التي تنشدها فلعلك تجد منها صوراً صغرى تدركها بالوحي الصغير إدراك النبوة للكبرى بالوحي الكبير. . .
ومع هذا لا يزال الضباب المبهم يناديني ويسألني سؤاله. . . وأنا أنادي:
لمحة من النور الذي عندك ضحاه الدائم الذي لا يغيب يا هادي الركب وصاحب القافلة. . . النور الذي تهتدي به ظلمات الدنيا وأضواؤها إلى مسالكها ومساربها ومواقعها. . . النور الذي أعطيت به كل شيء خلقه ثم به هديته. . .
النور الذي اهتدت به كل ذرة في بناء العالم وكل خلية في جسمه وكل قوة من قواه إلى